في عالمٍ تتسارع فيه الأحداث وتتبدل فيه المؤشرات الاقتصادية كالفصول، يظل للذهب بريقه الخاص، فهو ليس مجرد معدن أصفر لامع، بل هو ملاذٌ آمن، ومؤشرٌ قوي على حال الاقتصاد، وأحيانًا، كما حدث مؤخرًا، يصبح حديث المجالس ومصدرًا للقلق والترقب. فهل تتذكرون آخر مرة شعرتم فيها بهذه الحمى الذهبية؟ يبدو أننا على موعدٍ جديدٍ معها، فقد سجل المعدن الثمين ارتفاعاتٍ تاريخية غير مسبوقة، جاعلاً الجميع يتساءل: “ماذا يحدث بالضبط في سوق الذهب؟ وإلى أين تتجه بنا هذه الموجة؟”

في خبرٍ هز أركان السوق المصري، كشفت شعبة الذهب المصرية عن تطوراتٍ غير مسبوقة، فبعد يومٍ شهد صعوداً صاروخياً، استقرت أسعار الذهب اليوم الثلاثاء الموافق الثالث والعشرين من سبتمبر لعام 2025 عند مستوياتها المرتفعة للغاية. وعلى الرغم من أن البيانات الرسمية أشارت إلى “ثبات” في قيم الأعيرة الذهبية اليوم، إلا أن هذا الثبات جاء بعد قفزةٍ هائلة سجلها جرام الذهب عيار 21، الذي ارتفع بمفرده بنحو 100 جنيه مصري في تعاملات الأمس، ليكمل بذلك سلسلةً من الصعود لم يشهدها السوق من قبل. هذا الارتفاع الصادم دفع سعر جرام الذهب عيار 21 ليتخطى حاجز الـ 5000 جنيه مصري لأول مرة في تاريخ البلاد، وهو رقمٌ لم يكن يتخيله المتفائلون في السابق.

لكن ما الذي يغذي هذه النيران الذهبية الملتهبة؟ الإجابة تكمن في الأسواق العالمية. فالموجة الصعودية لم تقتصر على السوق المحلي فقط، بل كانت انعكاساً مباشراً لما يجري على الساحة الدولية. فقد شهد سعر الذهب عالميًا ارتفاعًا جديدًا خلال تداولات اليوم الثلاثاء، حيث قفزت العقود الفورية بنسبة 1%، لتلامس أرقامًا قياسية ووصل سعر الأونصة إلى 3784.01 دولار أمريكي. هذه الأرقام، بصراحة، تثير الدهشة وتجعلنا نتوقف لنتأمل المشهد كاملاً.

السؤال البديهي هنا هو: لماذا كل هذا الارتفاع؟ ولماذا يتهافت المستثمرون على شراء الذهب في هذا التوقيت بالذات؟ الأمر ببساطة يتعلق بالبحث عن الأمان. فمع توقع المستثمرين استمرار انخفاض أسعار الفائدة عالمياً، يصبح الاحتفاظ بالسيولة النقدية أو الاستثمار في أدوات الدين أقل جاذبية. يعني إيه الكلام ده؟ يعني لما الفلوس في البنك مش بتجيب عائد كويس، الناس بتدور على بديل يحافظ على قيمة فلوسها، وأحيانًا يزودها. وهنا، يبرز الذهب كالملاذ الآمن التقليدي، مخزنًا للقيمة لا يتأثر بتقلبات العملات بنفس الحدة، بل يزداد بريقه كلما زادت حالة عدم اليقين الاقتصادي. هذا الإقبال العالمي الكبير هو ما انعكس مباشرة على أسعار المعدن الأصفر في مصر، دافعًا إياه لتحطيم كل السجلات السابقة.

بالتحديد، كيف بدت الصورة اليوم في سوق الذهب المصري بعد هذه التحولات الكبيرة؟

  • عيار 24: استقر سعره عند 5728 جنيهًا مصريًا للجرام الواحد، مع إضافة مبلغ 100 جنيه مصري للمصنعية على السعر المعلن.
  • عيار 21: حافظ على قيمته البالغة 5020 جنيهًا مصريًا للجرام، ويضاف إليه أيضًا 100 جنيه للمصنعية. هذا هو العيار الأكثر شيوعًا وتداولاً في السوق المصري.
  • عيار 18: وصل سعره إلى 4300 جنيه مصري للجرام، مع إضافة 100 جنيه للمصنعية كالمعتاد.
  • أما بالنسبة لـالجنيه الذهب، فقد سجل اليوم الثلاثاء رقماً فلكياً بلغ 40160 جنيهًا مصريًا، وذلك قبل احتساب قيمة المصنعية والضريبة المضافة.

هذه الأرقام ليست مجرد أرقام، إنها تعكس قفزةً نوعية في سوق الذهب، وتضع المستهلكين والمستثمرين على حد سواء أمام مفترق طرق. فمن جهة، يرى البعض في الذهب استثمارًا ذكيًا، خاصةً لأولئك الذين اشتروه في فترات سابقة بأسعار أقل بكثير. ومن جهة أخرى، يرى المقبلون على الشراء، سواء للادخار أو للزواج، أن هذه الأسعار أصبحت عبئًا كبيرًا، وربما تكون باهظة للغاية.

الآن، وبعد أن استعرضنا “من وماذا ومتى وأين ولماذا وكيف”، يبقى السؤال الأهم الذي يطرح نفسه بقوة: هل الذهب لا يزال الملاذ الآمن الذي نعرفه؟ أم أنه تحول إلى سلعة شديدة التقلب، أشبه بقطار سريع لا يمكن التنبؤ بمحطاته التالية؟ ارتفاعه إلى مستويات تاريخية قد يكون مدعاةً للتفاؤل للبعض، ومصدر قلق للآخرين. فمع كل قفزة سعرية، تتغير حسابات الكثيرين، وتتبدل أحلامهم وطموحاتهم المتعلقة بهذا المعدن الساحر. يبقى سوق الذهب، كعادته، لغزًا محيرًا، لكنه هذه المرة لغزٌ أكثر إثارةً وتأثيرًا في حياتنا اليومية والاقتصادية. فهل سنشهد المزيد من الصعود؟ أم أن هذه القفزة ستعقبها فترة تصحيح؟ الأيام القادمة وحدها من ستحمل لنا الإجابة.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.