يا تُرى، هل يمكن لدولة أن ترسم مستقبلها الاقتصادي بخطوط مغايرة تماماً لما اعتاد عليه العالم؟ هل تستطيع أن تعيد تعريف هويتها المالية، لا بما يختبئ في جوف أرضها، بل بما يُبنى فوقها من رؤى وطموحات؟ في قلب الخليج، وفي الربع الثاني من عام 2025 تحديداً، يبدو أن قطر قد بدأت بالفعل في كتابة فصل جديد ومثير في كتاب اقتصادها. البلاد التي ارتبط اسمها لوقت طويل بالنفط والغاز، أظهرت مؤشرات تُثلج الصدر، لتؤكد للعالم أجمع أنها تمضي بخطى واثقة نحو تنويع جذري، وأنها تعرف جيداً كيف تبني مستقبلاً لا يتأثر بتقلبات أسعار الطاقة العالمية.
لقد كشف المجلس الوطني للتخطيط عن أرقام تبعث على التفاؤل، تُفيد بأن الاقتصاد القطري قد شهد نمواً إجمالياً بنسبة 1.9% على أساس سنوي خلال الربع الثاني من العام الجاري. هذا الرقم، وإن بدا متواضعاً للوهلة الأولى، يحمل في طياته دلالات عميقة عند الغوص في تفاصيله. فالمحرك الحقيقي لهذا النمو لم يكن القطاع الهيدروكربوني التقليدي، بل كان دفعة قوية من الأنشطة غير النفطية، التي سجلت وحدها نمواً مذهلاً بلغ 3.4%. يعني بصراحة، واضح إن قطر ماشية بخطوات ثابتة نحو مستقبل مختلف ومستدام، وده اللي بتأكده الأرقام. فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 181.8 مليار ريال قطري (ما يعادل 49.5 مليار دولار أمريكي) في الربع المذكور، مقارنة بـ178.5 مليار ريال (48.6 مليار دولار) في الفترة نفسها من عام 2024.
طيب، إيه سر الـ3.4% دي بالظبط؟ الفكرة ببساطة إن القطاع غير النفطي أصبح العمود الفقري للاقتصاد، وبنسبة بتخلينا نقف شوية ونسقف! تخيل كده، الأنشطة غير النفطية شكلت 65.6% من إجمالي الناتج المحلي، حيث بلغت قيمتها المضافة 119.3 مليار ريال قطري (حوالي 32.5 مليار دولار). هذا ليس مجرد رقم عابر، بل هو انعكاس لاستراتيجية دولة تُدرك أهمية التعددية الاقتصادية. يعني بدل ما تحط كل البيض في سلة واحدة، زي ما بنقول كده بالمصري، قطر بتوسع قاعدتها الإنتاجية وبتخلق مصادر دخل متنوعة ومستدامة. هذا النهج الحكيم يمنح الاقتصاد مرونة أكبر وقدرة على الصمود في وجه أي صدمات خارجية، أليست هذه قمة الحكمة في إدارة الثروات؟
هذا الازدهار الملحوظ لم يأتِ من فراغ، بل كان ثمرة جهود مركزة في قطاعات محددة أظهرت نموًا استثنائيًا. لو بصينا على الأرقام، هنلاقي قطاع الزراعة والحراجة وصيد الأسماك في المقدمة بنمو لافت بلغ 15.8%، وده شيء يستدعي الانتباه، خصوصًا في منطقة تشتهر بطبيعتها الصحراوية. يليه قطاع الإقامة وخدمات الطعام بنسبة 13.4%، وهي إشارة واضحة لتعافي وتطور قطاع السياحة والضيافة، خاصة بعد استضافة فعاليات عالمية كبرى عززت مكانة قطر كوجهة سياحية رائدة. كما سجل قطاع الفنون والترفيه قفزة قوية بـ8.9%، تلاه قطاع تجارة الجملة والتجزئة بنمو قدره 8.8%. أما قطاع البناء والتشييد، فما زال يحتفظ بزخمه بنمو وصل إلى 8.7%، مما يؤكد استمرار مشاريع التنمية والبنية التحتية الطموحة. كل هذه قطاعات حيوية ومباشرة في حياة الناس اليومية، تسهم بشكل فعال في خلق فرص العمل وتضيف قيمة ملموسة للاقتصاد الوطني.
في المجمل، أوضح المجلس الوطني للتخطيط أن 11 نشاطًا من أصل 17 قد سجلت نموًا إيجابيًا خلال الربع الثاني، وده مش رقم بسيط أبدًا. يعني الأغلبية العظمى من القطاعات بتكبر وتتوسع، وهي علامة صحة ممتازة لأي اقتصاد طموح. هذا التوسع المستمر في القطاعات الخدمية يُعزى بالدرجة الأولى إلى الاستثمارات الهائلة في البنية التحتية المتطورة، ودعم قطاع السياحة الذي يشهد انتعاشًا ملحوظًا، بالإضافة إلى التحفيز المستمر للقطاع الخاص. عندما تستثمر الدولة بحكمة في هذه الركائز الأساسية، وتُقدم يد العون للمشاريع الكبيرة والصغيرة على حد سواء، تكون النتيجة واضحة: اقتصاد قوي ومتماسك يمتلك القدرة على دفع نفسه نحو الأمام.
وبعيداً عن الأرقام الجافة، يبرز الصوت الرسمي ليؤكد هذا المسار الواعد. فقد أكد سعادة السيد عبد العزيز بن ناصر آل خليفة، الأمين العام للمجلس الوطني للتخطيط، أن هذه المؤشرات لا تعكس فقط الأداء القوي للاقتصاد القطري، بل تؤكد أيضًا استمرارية التوسع في القطاعات غير النفطية، وهو الهدف الأسمى لخطط التنمية. وشدد سعادته على أن “استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة” ستظل المحرك الرئيسي لدفع عجلة النمو المستدام وتوفير فرص استثمارية جديدة ومبتكرة تخدم الأجيال القادمة. يعني ببساطة، الرؤية ليست مجرد رد فعل على ظروف السوق العابرة، لأ دي خطة استراتيجية مدروسة بعناية فائقة، هدفها بناء مستقبل اقتصادي لا يعتمد على مصدر واحد للثروة، بل على قاعدة إنتاجية واسعة ومتنوعة.
ولكي لا نظن أن هذا مجرد تفاؤل داخلي، فإن التوقعات الدولية تأتي لتؤيد هذا المسار بقوة. يتوقع البنك الدولي، وهو مؤسسة مالية عالمية ذات مصداقية كبيرة، أن يسجل الاقتصاد القطري نموًا بنسبة 2.4% في عام 2025، وهي نسبة أعلى من النمو المحقق في الربع الثاني، مما يعني أنهم يرون زخمًا مستمرًا ومستقبلاً واعداً. والأكثر إثارة، أن هذا النمو من المتوقع أن يقفز إلى 5.4% في عام 2026! تخيل حجم القفزة دي وإلى أي مدى يمكن أن يدفع الاقتصاد القطري. كما توقع البنك أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 1.6% في 2025 و4.3% في 2026. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات صماء، بل هي مؤشرات واضحة على أن قطر تسير في الاتجاه الصحيح، وتجني ثمار جهودها الحثيثة في التنويع والتنمية الشاملة.
في النهاية، ما الذي يمكن أن نتعلمه من التجربة القطرية المتسارعة؟ هل هو مجرد نموذج لدولة غنية بالنفط والغاز تسعى لتأمين مستقبلها؟ أم أنه درس قيم في كيفية تحويل التحديات العالمية إلى فرص نمو مبتكرة، وكيف يمكن للتخطيط الاستراتيجي الطموح أن يبني اقتصادًا مستدامًا ومتنوعًا بمعايير عالمية؟ بصراحة، اللي بيحصل في قطر ده يعتبر رسالة قوية ومُلهمة لأي دولة في المنطقة أو حول العالم تسعى لتنويع مصادر دخلها والابتعاد عن الاعتماد الكلي على مورد واحد. إنه يثبت أن الرؤى المستقبلية البعيدة النظر، عندما تقترن بالإرادة السياسية الصلبة والاستثمارات الذكية والموجهة، قادرة على إعادة تشكيل الواقع الاقتصادي بأكمله. ربما لم تعد قيمة الثروة الحقيقية في ما تملكه من موارد طبيعية فحسب، بل في قدرتك على استغلالها بذكاء وحكمة لبناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للجميع. فهل نحن مستعدون لالتقاط هذه الرسالة وتطبيق دروسها المستفادة؟