هل الأسواق المالية المصرية تحبس أنفاسها اليوم؟ سؤال يفرض نفسه بقوة مع تراقُب الأعين كافة لما قد يحمله الخميس، الثاني من أكتوبر 2025، في طياته. ليس مجرد يوم عادي في أجندة التداولات، بل هو نقطة التقاء لحدثين اقتصاديين بالغَي الأهمية: حركة أسعار المعدن الأصفر، ولقاء اللجنة المسؤولة عن تحديد مصير سعر الفائدة في البنك المركزي. فالكل يترقب، وكل مؤشر يبدو وكأنه يتأهب لسيناريو لم تتضح معالمه بعد.
على صعيد أسواق الصاغة، شهد سعر الذهب استقرارًا ملحوظًا في منتصف تعاملات اليوم، وهو ما قد يبدو هدوءًا يسبق عاصفة أو ربما تثبيتًا لمكاسب حديثة. فعلى الرغم من حالة الترقب العام، حافظ جرام الذهب عيار 21 – وهو العيار الأكثر تداولًا وشعبية بين المصريين – على آخر زيادة سجلها، والتي بلغت 60 جنيهًا كاملة. هذه القفزة، التي حدثت مؤخرًا، جعلت الأنظار تتجه نحو استمرار الصعود أو بدء مرحلة تصحيح، لكنه اختار الثبات مؤقتًا. بصراحة، الواحد بقى بيحس إن الدهب ده عامل زي مؤشر البورصة بتاع البيوت المصرية، كل بيت فيه كلام عن سعره كل يوم.
وفقًا للبيانات الصادرة عن شعبة الذهب والمجوهرات، والتي تتابع حركة الأسعار بدقة، جاءت تفاصيل أسعار البيع اليوم في منتصف التعاملات، دون احتساب قيمتي الضريبة والمصنعية، على النحو التالي: عيار 24، العيار الأعلى نقاءً، سجل 5805 جنيهات. أما عيار 21، الذي ذكرناه سابقًا، فاستقر عند 5080 جنيهًا. وبالنسبة لعيار 18، الأكثر استخدامًا في المصوغات، فقد بلغ 4354 جنيهًا. وحتى عيار 14، الأقل نقاءً، وصل إلى 3387 جنيهًا. ولم يغب الجنيه الذهب عن المشهد، حيث تداول بسعر 40640 جنيهًا للبيع. هذه الأرقام لا تعكس مجرد قيمة معدن، بل هي انعكاسات لتوقعات اقتصادية وتشير إلى قوة شرائية تتأثر بكل قرار سياسي ومالي. هل ممكن نشوف أسعار زي دي تاني قريب؟ محدش عارف.
لكن، العين كلها ليست فقط على لمعان الذهب أو حركته اللحظية؛ فالقلب النابض للاقتصاد المصري يتهيأ لاتخاذ قرار مصيري قد يعيد تشكيل مسار السيولة والادخار والاستثمار. فاليوم، الخميس الثاني من أكتوبر 2025، تستضيف أروقة البنك المركزي المصري الاجتماع السادس للجنة السياسة النقدية خلال العام الجاري. هذا الاجتماع الدوري، الذي يُعقد كل ستة أسابيع، هو منصة الحسم لمصير سعر الفائدة، سواء بالرفع لامتصاص السيولة والحد من التضخم، أو بالتثبيت للحفاظ على استقرار نسبي، أو بالخفض لتحفيز النمو الاقتصادي وتشجيع الاستثمار.
توقعات السوق لهذه القرارات عادة ما تكون محط أنظار الجميع، ومؤشر “رويترز” الشهير استبق الاجتماع باستطلاع رأي شمل عددًا كبيرًا من المحللين الاقتصاديين. وجاءت النتائج لترجح كفة سيناريو واحد بقوة: خفض جديد لسعر الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس. فإذا صحت هذه التكهنات، فإن ذلك يعني أن سعر الإيداع سيصل إلى 21%، بينما سيستقر سعر الإقراض عند 22%. وهذا الخفض، إن تم، سيمثل رسالة واضحة من البنك المركزي لتحفيز الحركة الاقتصادية، وهو ما يطمح إليه الكثيرون في ظل التحديات الراهنة. يا ترى هل البنك المركزي هيسمع كلام المحللين ولا هيكون ليه رأي تاني خالص؟
إن العلاقة بين أسعار الفائدة وسعر الذهب علاقة معقدة لكنها عادة ما تكون عكسية. فإذا انخفضت أسعار الفائدة، تصبح أوعية الادخار التقليدية مثل الودائع البنكية أقل جاذبية، مما يدفع المستثمرين للبحث عن بدائل أكثر ربحية أو أقل تأثرًا بالتضخم، وهنا يأتي دور المعدن الأصفر كملجأ آمن. ففي ظل بيئة الفائدة المنخفضة، قد يكتسب الذهب بريقًا إضافيًا، مما يدفع سعره للصعود. وبالعكس، إذا ارتفعت الفائدة، قد يفضل البعض الاحتفاظ بأموالهم في البنوك لتحقيق عائد مجزٍ، مما يقلل الطلب على الذهب. هي بصراحة لعبة شطرنج، وكل حركة ليها تأثير على كل قطعة تانية في الرقعة.
في النهاية، ما الذي يعنيه كل هذا بالنسبة للمواطن العادي؟ هذه القرارات، سواء المتعلقة بالذهب أو بأسعار الفائدة، لا تقتصر آثارها على خبراء الاقتصاد أو كبار المستثمرين فحسب، بل تمس حياة كل فرد بشكل مباشر أو غير مباشر. هي تؤثر على قيمة مدخراتنا، على تكلفة الاقتراض لشراء منزل أو سيارة، على ربحية المشاريع الصغيرة والكبيرة، وحتى على أسعار السلع التي نشتريها يوميًا. ففي عالم مترابط كهذا، كل قرار اقتصادي كبير يمثل حجرًا يُلقى في بركة، وتموجاته تصل إلى كل زاوية. يبقى علينا انتظار ساعات قليلة لنرى كيف سيخط البنك المركزي المصري الفصل التالي في كتاب سياسته النقدية، وما هي الانعكاسات التي سيجلبها ذلك على سوق الذهب وعلى الاقتصاد ككل.