في عالمٍ تتراقص فيه الأسعار صعودًا وهبوطًا كأمواج البحر، يظل سوق الغاز الطبيعي واحدًا من أكثر الساحات إثارة للجدل والمتابعة. بالأمس، شهدنا فصلاً جديدًا في هذه الدراما المستمرة، حيث أُلقي ببعض الرمال على عجلة التراجع التي كانت تدور منذ فترة، لتعطي إشارة إلى أن السوق لم يرضخ تمامًا للضغوط الهابطة بعد. فهل كانت مجرد وقفة لالتقاط الأنفاس، أم بداية لسيناريو مختلف؟

على ما يبدو، استغل المتداولون الفرصة التي سنحت مع ظهور بوادر إيجابية واضحة على مؤشر “ستوكاستيك”، ذلك المؤشر الفني الذي يعشقه الكثيرون في تحليل اتجاهات السوق. عندما ارتفع المؤشر فوق مستوى الـ 50 الحاسم، بدا الأمر وكأن شعلة من الأمل قد أضاءت في أذهان المضاربين، مما أجل هجوم الدببة الذي كان وشيكًا. ونتيجة لذلك، استقرت أسعار الغاز الطبيعي فوق مستوى 3.050 دولار، لتُحقق مكاسب طفيفة بلغت حوالي 3.150 دولارًا. يعني بصراحة كده، السوق أخد نفس شوية ورفض يكمل نزول زي ما كان متوقع.

ولكن، لا تخدعك هذه الارتفاعات البسيطة! فمن يعرف خبايا سوق السلع يعرف أن هذه التحركات قد تكون مجرد تمويه ضمن مسار أكبر. فرغم هذه المكاسب المحدودة، يظل السيناريو الرئيسي المسيطر على المشهد هو الاتجاه الهابط. لماذا؟ ببساطة، لأن الأسعار لا تزال ترزح تحت وطأة مستويات مقاومة رئيسية لم تتمكن من اختراقها بثبات، وهي الحواجز التي طالما شكلت سقفًا يحد من طموحات الصعود. فالسوق، وكأنه يقول: “لن أستسلم للارتفاعات الوهمية هذه إلا إذا أثبتّ لي قوتك الحقيقية”.

الخبراء والمحللون الفنيون، وخصوصًا من يتابعون الرسوم البيانية عن كثب، يرون أن الثبات المتكرر دون هذه المستويات المحورية هو مؤشر قوي على أن الاتجاه العام لا يزال سلبيًا. يتوقعون أن يشهد السوق قريبًا بعض التداولات الجانبية، كأنه يستجمع قواه أو يتردد في اتخاذ قرار حاسم، قبل أن يبدأ في تشكيل موجات سلبية جديدة. هذه الموجات قد تُعيد الضغط على مستوى الدعم الهام عند 2.820 دولارًا، لتُذكره بحدوده القديمة.

لكن ماذا لو انقلبت الطاولة؟ ألا يوجد أمل للمتفائلين؟ بالطبع يوجد. فالسوق لا يعرف المستحيل. لو نجح الغاز الطبيعي في تجاوز مستوى المقاومة الحاسم، والذي يقدره البعض عند حوالي 3.220 دولارًا (أو حتى أعلى من ذلك نحو 3.265 دولارًا في بعض التقديرات)، واستقر فوقه بثبات، فإن هذا سيُعد تحولًا جذريًا في مساره. حينها، سيعود الغاز إلى المسار الصاعد بقوة، وسيُمنح فرصة ذهبية لتحقيق مكاسب كبيرة، مع اندفاعه الأولي نحو حاجز 3.450 دولارًا. هنا بقى، الناس هتبدأ تتكلم عن “تغيير اللعبة” وتوقعات مختلفة تمامًا.

توقعات اليوم، بناءً على هذه المعطيات المتضاربة ولكن الواضحة فنيًا، تشير إلى أن نطاق التداول المتوقع سيتحرك بين 2.820 دولارًا و 3.220 دولارًا. وبالتالي، فإن التوقعات العامة لسعر اليوم تميل إلى الانخفاض، وذلك بسبب استمرار ثبات المقاومة وعدم القدرة على اختراقها. السوق، بعبارة أخرى، يميل للهدوء السلبي، فمستوى المقاومة يشبه سدًا منيعًا يمنع أي تدفق كبير للصعود.

لكن لماذا كل هذه التقلبات؟ ولماذا نرى هذه “الرقصات” السعرية التي تتأرجح بين الأمل والخوف؟ الحقيقة أن أسواق السلع، والغاز الطبيعي تحديدًا، تتأثر بعوامل متعددة لا تقتصر على التحليلات الفنية وحدها. فالوضع الجيوسياسي، التقلبات المناخية غير المتوقعة، ومستويات المخزونات العالمية، كلها تلعب دورًا حاسمًا في تحديد الاتجاهات على المدى المتوسط والطويل. التحليلات الفنية تقدم لنا نافذة على نفسية المتداولين وتوقعاتهم قصيرة الأجل، فهي أشبه بقراءة لغة الجسد للسوق.

في النهاية، ما نشهده هو صراع مستمر بين القوى المتنافسة في السوق. بين من يرى في كل تراجع فرصة للشراء، ومن يرى في كل ارتفاع فرصة للبيع. هذه التناقضات هي جوهر الأسواق المالية، وهي التي تجعلها ديناميكية لا تتوقف عن الحركة. فهل سيُكتب للغاز الطبيعي أن يتخلص من أغلال الاتجاه الهابط ويصعد لمستويات جديدة، أم أن رياح التراجع ستعود لتُلقي بظلالها من جديد؟ المستقبل وحده كفيل بالإجابة، لكن حتى ذلك الحين، يظل الحذر سيد الموقف، والتحليل الدقيق هو بوصلة المتداول الذكي.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.