مصر تراهن على عقارها: 1.5 مليار دولار صادرات بحلول 2025… هل حان وقت الاستثمار؟

في عالم تتسارع فيه الأحداث الاقتصادية وتتلاطم فيه أمواج التحديات، تبرز مصر برؤية طموحة لقطاعها العقاري، مستهدفةً تحقيق 1.5 مليار دولار من عوائد تصدير العقار بحلول عام 2025. هل يبدو هذا الرقم خيالياً؟ ربما، لكنه يعكس ثقةً متنامية في هذا السوق الحيوي، ويحمل في طياته الكثير من الخطط والمبادرات التي تسعى لتحويل هذا الطموح إلى واقع ملموس.

هذه ليست مجرد أرقام تُلقى جزافاً، بل هي خلاصة جهد وتخطيط يقوده خبراء القطاع. السيد طارق شكري، رئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات ووكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب، يرى في السوق العقاري المصري ليس مجرد ملاذ للثروات، بل قاطرةً حقيقية للاقتصاد الوطني ومصدراً لا يستهان به للعملة الصعبة. فبعد أن سجلت عوائد تصدير العقار 500 مليون دولار العام الماضي، تأتي هذه القفزة المتوقعة بثلاثة أضعاف كدليل واضح على تصاعد الاهتمام الدولي بالاستثمار في هذا المجال، مما يطرح سؤالاً مهماً: ما الذي يجعل العقار المصري محط أنظار العالم؟

للإجابة على هذا التساؤل، كشفت غرفة التطوير العقاري عن حزمة من المقترحات والمبادرات التي تهدف إلى تحفيز السوق وتعزيز جاذبيته. ولعل أبرزها، ذلك المقترح الذي قُدم إلى مجلس الوزراء بشأن توفير برامج تمويل عقاري بفوائد مدعمة، على غرار ما يُقدم لقطاعات اقتصادية أخرى. بمعنى أوضح، الدولة بتفكر تقدم يد العون للمشترين والمستثمرين، وده شيء طبيعي يدفع العجلة. هذه البرامج تحدد نسب فائدة تنافسية؛ 8% للوحدات السكنية التي تقل مساحتها عن 100 متر مربع، و10% للوحدات التي تصل إلى 150 متراً، أما المساحات الأكبر فستحظى بفائدة 12%. هذه النسب تهدف إلى تخفيف العبء المالي عن كاهل المشترين وتحفيز الطلب على مختلف شرائح العقارات.

لكن المبادرات لا تتوقف عند التمويل التقليدي. في خطوة مبتكرة لفتح آفاق جديدة أمام شرائح أوسع من المستثمرين، تعاونت الغرفة مع الهيئة العامة للرقابة المالية لتدشين صناديق عقارية وشركات تسويق متخصصة. هذه الكيانات ستعمل على ترويج الوحدات بنظام “الاستثمار الجزئي” أو ما يُعرف بالـ “Fractional Ownership”. يعني إيه استثمار جزئي؟ ببساطة، بدلاً من أن تشتري عقاراً كاملاً بتكلفة باهظة، يمكنك الآن امتلاك حصة أو جزء منه، مما يتيح للعديد من الأفراد والكيانات استثمار مدخراتهم في العقارات دون الحاجة لرأس مال ضخم. هذه الآلية من شأنها أن تزيد سيولة السوق وتجذب رؤوس أموال جديدة، سواء من الداخل أو الخارج.

ووسط كل هذه التطورات، تظهر تساؤلات حول مدى استقرار السوق العقاري المصري وبعُده عن شبح “الفقاعة العقارية” التي تظهر أحياناً في الأسواق سريعة النمو. وهنا، يؤكد شكري بثقة أن السوق المصري بعيد تماماً عن هذه الشبهة. هو ليس سوقاً للمضاربة السريعة أو البحث عن العوائد الفورية؛ بل هو سوق ديناميكي يتسم بالمرونة، يمر بمراحل من النمو والهدوء، لكنه يظل دائماً جاذباً للاستثمارات المحلية والأجنبية على حد سواء. وكما نعلم جميعاً، الاستثمار العقاري بطبيعته استثمار طويل الأجل، فالعائد الملموس لا يبدأ بالظهور قبل ثلاث سنوات على الأقل، وهي فترة معقولة لنمو قيمة الأصول.

ولعل من أبرز الدلائل على قوة هذا السوق وقدرته على الصمود، ما أشار إليه شكري من أن أسعار العقارات في بعض المشروعات قد ارتفعت بنحو 50 ضعفاً خلال العقدين الماضيين. تخيلوا، 50 ضعفاً! هذا الارتفاع الصاروخي لم يكن نتيجة مضاربات عشوائية، بل جاء بفضل مرونة السوق الفائقة وقدرته المذهلة على امتصاص الصدمات الاقتصادية، مثل ارتفاع أسعار الفائدة وتكاليف مواد البناء. وهذه القدرة على امتصاص الصدمات هي ما يميز الأسواق الحقيقية عن الفقاعات الوهمية. وهوامش ربح الشركات العقارية، التي تتراوح بين 10 و20%، تعكس استقراراً صحياً في الصناعة، وتوزيع هيكل التكلفة (30-35% للأراضي، 35-40% لأعمال البناء، 10% للتسويق، و3-5% للمصروفات الإدارية) يظهر سوقاً متوازناً وواضحاً.

ولتعزيز هذه الشفافية والاستقرار، تكثف غرفة التطوير العقاري جهودها حالياً للانتهاء من إعداد مشروع قانون “اتحاد المطورين العقاريين”. هذا القانون المستقبلي يستهدف وضع إطار تشريعي واضح ينظم العلاقة بين الأطراف الثلاثة الرئيسية في هذه الصناعة: الحكومة والمطورون والعملاء. كما أنه سيعمل على إدخال شركات التسويق العقاري تحت مظلة قانونية تضمن النزاهة والمسؤولية، مما يرسخ الثقة في المعاملات العقارية ويحمي حقوق الجميع. هذا التنظيم ضروري جداً، عشان الناس تبقى مطمنة وهي بتشتري أو بتستثمر.

في الختام، يبدو أن مصر لا تكتفي بكونها سوقاً عقارياً مزدهراً محلياً، بل تسعى بقوة لتثبيت أقدامها كلاعب رئيسي على الساحة العالمية في تصدير العقار. هذه الجهود المتواصلة، من تحفيز التمويل وابتكار آليات الاستثمار إلى تعزيز الأطر القانونية، كلها تصب في بوتقة واحدة: بناء سوق عقاري قوي ومستدام، قادر على جذب الاستثمارات الأجنبية، وتوفير فرص عمل، والأهم من ذلك، أن يكون مصدراً رئيسياً للعملة الصعبة التي يحتاجها الاقتصاد المصري بشدة. هل ستصل مصر إلى هدف الـ 1.5 مليار دولار؟ المعطيات تشير إلى أن الطريق مُمهد، والمستقبل يحمل الكثير لهذا القطاع الواعد، والأيام القادمة وحدها هي الكفيلة بالإجابة النهائية. لكن المؤكد أن العقار المصري يعيش مرحلة حاسمة قد تعيد تشكيل مكانته على الخريطة الاقتصادية العالمية.

Leave a Comment

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.