سوق العقارات المصري: بين دوامة الدولار وتطلعات الاستقرار المنشود

في غمرة التقلبات الاقتصادية التي تعصف بالعالم، يظل السؤال الأزلي يتردد في أذهان الكثيرين: أين نودع مدخراتنا لنحميها من رياح التضخم العاتية؟ هذا التساؤل لم يكن يوماً أكثر إلحاحاً منه خلال العامين الماضيين، حيث شهد السوق العقاري المصري – الذي لطالما اعتُبر الملاذ الآمن والدرع الواقي للأموال – عاصفة من التوتر والارتباك، وكأن الأرض من تحته لم تعد ثابتة كما كانت. فما الذي حدث لهذا القطاع الحيوي، وما السبيل لتثبيت أركانه من جديد؟

خلال عامي 2023 و2024، تحوّل سوق العقارات المصري إلى ساحة لتصارع القوى الاقتصادية، حيث كان تقلب سعر صرف الدولار هو اللاعب الأبرز والأكثر تأثيراً. هذا التأرجح العنيف، الذي شهد ارتفاعات غير مسبوقة للعملة الخضراء، لم يمر مرور الكرام، بل أحدث زلزالاً هزّ أركان القطاع برمته. ففي ظل هذا المشهد المضطرب، وجد المستثمرون – كباراً وصغاراً – أنفسهم في سباق محموم نحو شراء العقارات، ليس بالضرورة بغرض السكن، بل كدرع حصين يحمي رؤوس أموالهم من تآكل القيمة الشرائية الذي تسببه تذبذبات العملة المحلية. المنطق كان بسيطاً جداً في عيون البعض، أو خلينا نقول، هو البديهي في ظل الظروف دي: لما الفلوس اللي في البنك قيمتها بتنزل كل يوم، إيه أحسن مكان تحطها فيه؟ طبعاً، العقار هو الأفضل!

لكن يا تُرى، هل كان هذا الارتفاع في الطلب صحياً أو مستداماً؟ أبداً. في المقابل، وعلى الجانب الآخر من المعادلة، وجد المطورون العقاريون أنفسهم في ورطة حقيقية. التكاليف المرتبطة بتنفيذ المشروعات، والتي تعتمد بنسبة كبيرة على مدخلات مستوردة أو مسعّرة بالدولار، قفزت بشكل جنوني. تخيل مثلاً أن سعر مواد البناء يمكن أن يتغير معك كل يوم! هذا أدى لزيادة جنونية في أسعار الوحدات المعروضة، لدرجة أن بعض الشركات اضطرت توقف البيع مؤقتاً، بصراحة كانوا مستنيين السوق يستقر عشان يعرفوا يسعروا صح، لأن كل يوم بسعر مختلف.

ولمواجهة هذا الواقع الجديد، وللحفاظ على شريان الحياة وهو الطلب المستمر، لجأ عدد من المطورين إلى حلول مبتكرة، وإن كانت مؤقتة. فبدلاً من تشديد شروط البيع، اتجهوا إلى تيسيرها بشكل غير مسبوق. مددوا فترات السداد وخففوا من عبء الأقساط على المشترين، ظناً منهم أن ذلك سيحافظ على زخم السوق ويقلل من حدة الصدمة على العملاء. هل هذا الحل جذري؟ وهل يمكن أن يستمر إلى الأبد دون تبعات؟ هذا هو مربط الفرس، ونقطة الخلاف الجوهرية التي تحتاج إلى تحليل أعمق.

في هذا السياق المعقد، ومع كل هذه المتغيرات، يأتي صوت المهندس علاء فكري، نائب رئيس لجنة التطوير العقاري بجمعية رجال الأعمال، ليقدم رؤية نقدية وحلولاً جذرية قد تكون هي طوق النجاة. فكري، بخبرته الواسعة ومعرفته الدقيقة بآليات السوق، أكد على نقطة جوهرية ومحورية للغاية: ضرورة أن تبتعد شركات التطوير العقاري عن لعب دور شركات التمويل. بمعنى أصح، المطور مش شغلته يقسط للزبون عشرين سنة! دي مش وظيفته الأساسية، ولا يجب أن تكون.

فهل يعقل أن يكون المطور، الذي يتمثل دوره الأساسي في بناء وابتكار المجتمعات العمرانية المتكاملة، هو نفسه من يتحمل عبء تمويل المشترين لسنوات طويلة؟ هذا التداخل في الأدوار يخلق تشوهات عميقة في السوق، ويجعل المطور يتحمل مخاطر غير مبررة تتجاوز نطاق خبرته الأساسية. فبدلاً من التركيز على جودة البناء والتصميم والالتزام بالجداول الزمنية والمواعيد المحددة، يجد نفسه مُحمّلاً بهموم تمويلية قد تؤثر على قدرته على الوفاء بالتزاماته الأصلية. هذا الوضع قد يدفعه، بشكل غير مباشر، إلى رفع التكلفة الإجمالية على العميل لتعويض هذه المخاطر المتزايدة، أو يؤثر على جودة المشروعات نفسها. شدد فكري على أن مهمة التمويل العقاري يجب أن تظل حكراً على أصحابها الأصليين: البنوك والمؤسسات المالية المتخصصة في التمويل العقاري، التي تمتلك البنية التحتية والخبرة اللازمة لإدارة هذه العملية بكفاءة وشفافية ووفقاً لضوابط سليمة.

لماذا هذا الفصل بهذه الأهمية القصوى؟ لأنه ببساطة يساهم في تقليل الأعباء المالية على العملاء من خلال تقديم أسعار فائدة أقل وأكثر تنافسية. فالبنوك وشركات التمويل المتخصصة تعتمد على مصادر تمويل أوسع وأكثر استقراراً، وتخضع لرقابة مالية صارمة تضمن العدالة والشفافية في التعامل. هذا يقلل من الحاجة إلى إضافة هامش ربح كبير لتعويض مخاطر التمويل، وهو ما قد يضطر المطور لإضافته عندما يقوم بدور المُمول. والأهم من ذلك، أنه يحقق توازناً واستقراراً أكبر داخل السوق العقاري ككل. فالقطاع يحتاج إلى أسس قوية ومستدامة للنمو، لا حلول ترقيعية أو مؤقتة قد تزيد من تعقيد المشهد وتجعلنا ندور في حلقة مفرغة مستقبلاً، وربنا يستر على اللي جاي.

إذاً، ما الذي يعنيه كل هذا بالنسبة لنا كأفراد، سواء كنا نبحث عن منزل الأحلام، أو نود استثمار مدخراتنا؟ ببساطة، الفصل بين عمليتي البيع المباشر والتمويل العقاري ليس مجرد إجراء إداري، بل هو خطوة استراتيجية نحو سوق أكثر نضجاً وشفافية وعدالة. سوق يمكن أن تجد فيه القدرة على الحصول على تمويل مناسب لمسكنك حلماً قابلاً للتحقق، بشروط واضحة ومحددة، دون أن تكون عبئاً إضافياً على كاهل المطور، أو أن يجعلك تعيش في دوامة أسعار متضخمة وغير منطقية. إنها دعوة لإعادة تشكيل العلاقة بين جميع أطراف السوق: المطور، البنك، والمشتري. دعوة نحو استقرار يدوم، ونمو يعتمد على أسس صلبة، لا على تقلبات قد تعصف بالكل مرة أخرى. ففي النهاية، قطاع عقاري مستقر يعني مستقبلاً أكثر أماناً لنا جميعاً، ويوفر للجميع فرصة حقيقية للاستثمار الآمن والحصول على مسكن كريم.

Leave a Comment

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.