تصوّر المشهد للحظة: شارع هادئ من شوارع مصر القديمة العريقة، تعبث به ذكريات قرون خلت. وفجأة، يهز سكونه دويٌّ مكتوم، يعقبه صعود سحابة كثيفة من الغبار إلى عنان السماء. للحظة، ربما حبست الأنفاس. لكن، وكما يحدث أحياناً في قصصنا التي تختلط فيها العناية الإلهية بالجهد البشري، كان هذا الدوي يحمل معه نفساً جماعية من الارتياح. لماذا؟ لأن البناء الذي تهاوت أركانه، ذلك العقار ذو الطوابق الثلاثة الذي صمد لعقود، كان لحسن الحظ خالياً تماماً من أي قاطنين.
في قلب حي مصر القديمة العتيق، وبالتحديد في منطقة تحمل بين جنباتها عبق التاريخ، شهد أحد الشوارع لحظة لم تكن مفاجئة تمامًا لمن يعلم حالته. بناية قديمة مكونة من ثلاثة طوابق، لفظت أنفاسها الأخيرة، وتهاوت على نفسها في مشهد أثار قلق العابرين، لولا أن العناية الإلهية كانت قد سبقت أي كارثة محتملة. الخبر، اللي زي ده، بيوصل بسرعة الصاروخ لغرفة عمليات النجدة بمديرية أمن القاهرة. وعلى الفور، انطلقت سيارات الشرطة والإسعاف، زي ما بنقول كده، في لمح البصر، عشان يتأكدوا من الوضع ويفرضوا سيطرتهم على المكان.
لم تمضِ سوى لحظات قليلة حتى كانت القوات الأمنية قد فرضت طوقًا محكمًا حول الموقع، يرافقه فريق من خبراء المعاينة، للتأكد من خلو البناء المنهار تمامًا من أي قاطنين، ولتقييم مدى التأثير المحتمل على البنايات المجاورة التي تشاركه صفًا تاريخيًا. كانت الصورة واضحة منذ اللحظة الأولى: المبنى خالٍ تمامًا، ولا يوجد أثر لأي إصابات بشرية. وهذا ما أكدت عليه محافظة القاهرة في بيانها الرسمي، وهو ما منح المشهد طابعاً مختلفاً تماماً عما اعتدناه في حوادث انهيار العقارات المؤسفة.
لكن، هل كان هذا الانهيار حدثاً مفاجئاً حقاً؟ الإجابة القاطعة هي لا. فمحافظة القاهرة، ممثلة في قياداتها وعلى رأسهم الدكتور إبراهيم صابر، كانت قد استشرفت هذا المصير المحتوم لهذا العقار وغيره من المباني الآيلة للسقوط منذ فترة ليست بالقصيرة. تخيل، يا صديقي، أن هذا المبنى كان قد أُخلي بالكامل قبل أيام معدودة فقط من انهياره. ليه؟ ببساطة، عشان مصلحة الناس وسلامتهم هي الأولوية القصوى. يعني مش استنوا لما تحصل كارثة، لأ، هما تحركوا قبلها بوعي ومسؤولية.
تلك التوجيهات الحكيمة التي صدرت بإخلاء العقارات التي تشكل خطراً داهماً على حياة ساكنيها، كانت بمثابة إنقاذ محقق. فكم من أرواح تُزهق سنوياً بسبب الإهمال أو التأخر في اتخاذ قرارات حاسمة كهذه؟ هذا المبنى، الذي كان شاهداً صامتاً على عقود من الزمن في حي مصر القديمة، كان قد وصل إلى مرحلة لم يعد فيها صالحاً للسكن، وصار يمثل تهديداً حقيقياً لكل من يقترب منه. وبصراحة، اللي يشوفه يقول ده خلاص فاضل له تكّة ويقع، وإن ده كان أمر حتمي لا مفر منه.
وبعد التأكد من عدم وجود ضحايا، تحول التركيز إلى مرحلة ما بعد الانهيار. وجهت أجهزة الحي المعنية، وبسرعة ملحوظة، برفع مخلفات الهدم. الهدف كان واضحاً: أولاً، إعادة الانسيابية المرورية إلى الشارع الذي شهد الحدث، وثانياً، وهو الأهم، ضمان عدم وجود أي تأثير سلبي على سلامة العقارات الملاصقة أو القريبة. ودي نقطة مهمة جداً، عشان عارفين إن في أحياء زي مصر القديمة، البيوت جنب بعضها لازقة، وأي حاجة بتحصل في بيت ممكن تأثر على اللي جنبه. عملت لوادر المحافظة بجدية، فتحول الركام المتناثر إلى أكوام منظمة، ثم اختفى بالتدريج، ليترك وراءه مساحة فارغة، قد تكون مؤقتة، لكنها رمز للتدخل السريع والفعال الذي جنب المنطقة كارثة محققة.
إن حادثة انهيار عقار مصر القديمة، وإن مرت بسلام، تحمل في طياتها دروساً بالغة الأهمية. إنها تذكير بأن مدننا، وخاصة القاهرة بتاريخها العريق ومبانيها التي تحكي قصصاً لا تُعد ولا تُحصى، تتطلب يقظة مستمرة وصيانة دورية. فبين الحفاظ على التراث العمراني وتأمين سلامة المواطنين، يكمن تحدٍ كبير يتطلب قرارات جريئة ومتابعة حثيثة. هل يمكننا حقًا أن نغض الطرف عن مبانٍ تئن تحت وطأة الزمن دون أن نتحرك؟
هذا الحدث يسلط الضوء على الأهمية القصوى للخطط الاستباقية في التعامل مع ملف العقارات الآيلة للسقوط. فلو لم تكن هناك توجيهات واضحة وتطبيق صارم لإخلاء هذه المباني قبل فوات الأوان، لكنا اليوم نتحدث عن مأساة حقيقية، لا مجرد حادث عابر انتهى بالحمد لله على خير. يعني، ببساطة، الوقاية خير من العلاج، وهنا الوقاية كانت حياة. إن وعي المسؤولين بأهمية التحرك الوقائي هو ما صنع الفارق في هذه القصة تحديداً.
ففي مدينة تعج بالحياة مثل القاهرة، حيث تتشابك خيوط الماضي والحاضر، تبقى سلامة الإنسان هي البوصلة التي يجب أن توجه جميع الجهود. ويبقى الدور الفاعل للمؤسسات الحكومية، جنباً إلى جنب مع وعي المواطنين بأهمية التعاون والإبلاغ عن أي خطر محتمل، هو الضمانة الأكيدة لمستقبل أكثر أماناً واستقراراً، وسط تحديات العمران المتسارعة التي لا تتوقف. إنها مسؤولية مشتركة، تبدأ من قرار حكيم وتنتهي بسلامة الجميع.