جيزة على خطى التحول: حين تصبح شكوى المواطن أولوية قصوى

هل تذكر تلك الأيام التي كانت فيها مجرد فكرة تقديم شكوى حكومية أشبه بالمغامرة في متاهة بيروقراطية؟ حيث يضيع الصوت بين الأوراق، وتتلاشى الاستغاثة في زحام الإجراءات، لتعود أنت بخيبة أمل ولسان حالك يقول: “خلاص مفيش فايدة”؟ يبدو أن رياح التغيير بدأت تهب بقوة على محافظة الجيزة، حاملة معها بشائر عصر جديد قد يقلب هذه الصورة النمطية رأسًا على عقب، ويضع هموم المواطن واهتماماته في صدارة الأجندة.

ففي إعلان ينم عن جهد كبير وتنسيق مكثف، كشف المهندس عادل النجار، محافظ الجيزة، عن إنجاز لافت يستحق التوقف عنده. المحافظة العريقة، ذات الكثافة السكانية الهائلة والتنوع الخدمي الواسع، نجحت في التعامل مع نسبة مذهلة بلغت 99.55% من الشكاوى والاستغاثات التي وردت إليها عبر “منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة” التابعة لرئاسة مجلس الوزراء. رقم يقترب من الكمال، ويؤكد على جدية التحرك نحو حل مشكلات الناس بفاعلية وسرعة، تنفيذاً لتوجيهات رئيس مجلس الوزراء بضرورة تحقيق أعلى معدلات الاستجابة.

تخيل معي أن ما يقارب كل شكوى تُقدم تجد طريقها نحو الحل! هذا ليس مجرد رقم يُعلن في بيان رسمي، بل هو مؤشر حقيقي على تحول جوهري في آليات العمل الحكومي. “يعني بالبلدي كده، مفيش شكوى بتتركن على الرف،” كما قد يقول أحدهم ببساطة. هذا الإنجاز يعكس رؤية واضحة تهدف إلى إزالة العقبات التي تواجه المواطن، وتجسيد مبدأ الشفافية والمساءلة في العمل الإداري.

لم يكن هذا الإنجاح وليد الصدفة أو مجهود فردي، بل هو نتاج عمل دؤوب وتنسيق محكم بين مختلف الهيئات والأجهزة. فقد أكد المحافظ أن الأحياء والمراكز والمدن والمديريات الخدمية بالمحافظة سجلت نسب استجابة “متميزة”، بل وصلت إلى 100% في بعضها. هل تتخيل حجم الجهد المبذول من هذه الجهات؟ القائمة تطول، وتشمل قلب الجيزة النابض بأحيائه الشهيرة مثل الدقي والعجوزة والهرم والطالبية والعمرانية والوراق وإمبابة والمنيرة، وصولاً إلى المناطق الأكثر بعدًا مثل أوسيم ومنشأة القناطر وكرداسة وأبو النمرس والبدرشين والحوامدية والصف وأطفيح. ولم يقتصر التميز على الأحياء السكنية فقط، بل امتد ليشمل مديريات حيوية كمديريات الطرق والتربية والتعليم والطب البيطري والتموين والتضامن الاجتماعي والشباب والتنظيم والإدارة، بالإضافة إلى الإدارة العامة للسياحة وجهاز السرفيس والهيئة العامة للنظافة والتجميل. كل هؤلاء عملوا كفريق واحد، محركهم الأساسي هو تلبية نداء المواطن.

إن توجيه المحافظ الشكر لهذه الجهات لم يكن مجرد بروتوكول، بل هو اعتراف بمجهوداتهم الكبيرة في التعامل الفوري مع طلبات وشكاوى المواطنين. وفي الوقت ذاته، لم يغفل التشديد على ضرورة الإسراع في إنجاز الشكاوى المتبقية ومتابعة تنفيذ الحلول على أرض الواقع. وهذا يبرز أن الهدف ليس فقط استقبال الشكوى، بل ضمان تحقيق الرضا الكامل للمواطن بعد حل المشكلة جذرياً. فالمواطن لا يريد وعودًا، بل يريد نتائج ملموسة.

ولم تتوقف جهود التحديث والارتقاء عند حدود الشكاوى فحسب. ففي إطار أوسع لتقديم الخدمات، أشار المحافظ إلى نجاح أجهزة المحافظة في تنفيذ 96.3% من المعاملات الواردة للمراكز التكنولوجية المخصصة لخدمة المواطنين. هذه المراكز، التي كان يُنظر إليها في السابق على أنها مجرد واجهة لتقديم الأوراق، تحولت إلى بوابات حقيقية لإنجاز المعاملات بفاعلية. والأكثر من ذلك، فقد تم الانتهاء من 97.8% من طلبات التصالح المقدمة لتقنين أوضاع العقارات، وهو ملف كان يشكل تحدياً كبيراً للكثيرين، ويثير قلقاً واسعاً بين المواطنين. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي قصص لأناس استقرت أوضاعهم، وزالت عنهم هواجس المستقبل.

يؤكد المحافظ أن المحافظة تولي اهتمامًا بالغاً بتطوير الخدمات الإلكترونية المقدمة للجمهور. في عصر الثورة الرقمية، لم يعد مقبولاً الاعتماد على الأساليب التقليدية البطيئة. فالمواطن يتوقع أن تكون الخدمات سهلة المنال، وسريعة الإنجاز، ومتاحة بضغطة زر. ومن هنا، يتم تلقي الشكاوى وفحصها وتوجيهها إلكترونيًا، مع متابعة يومية ومستمرة لإجراءات الحل. هذا النظام الرقمي يقلل من التدخل البشري غير الضروري، ويحد من فرص الخطأ أو التأخير. وقد أعطيت أولوية خاصة لملفات بعينها، مثل مخالفات البناء، والإشغالات، والطرق، والنظافة والتجميل، وهي قضايا تمس حياة المواطن اليومية بشكل مباشر وتؤثر على جودة الحياة في الشوارع والأحياء.

في الختام، يظل التأكيد المستمر على أن المتابعة الدقيقة وسرعة التعامل مع مختلف الشكاوى والطلبات يمثلان أحد أهم أولويات خطط العمل داخل المحافظة. هذا ليس مجرد شعار، بل هو منهج عمل يهدف إلى تلبية احتياجات المواطنين وتحقيق رضاهم، باعتباره الغاية الأسمى لأي إدارة رشيدة.

هذا الإنجاز في الجيزة يطرح سؤالاً مهماً: هل نحن أمام نموذج يمكن تعميمه على سائر المحافظات؟ وهل يمكن لهذا النجاح أن يكون الشرارة التي تضيء دروب الإصلاح الإداري في مصر كلها؟ إن بناء جسر الثقة بين المواطن ومؤسسات دولته يبدأ من هنا، من الاستماع إلى الشكوى، ومن حل المشكلة، ومن الشعور بأن صوتك مسموع وطلبك مجاب. إنها خطوة نحو استعادة الثقة، وإعادة تعريف العلاقة بين الحاكم والمحكوم. فهل ستستمر هذه الروح الإيجابية، وهل سنرى مزيداً من قصص النجاح التي تجعل خدمة المواطن هي البوصلة الحقيقية للعمل الحكومي؟ الأيام القادمة وحدها من ستجيب.

Leave a Comment

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.