تخيل للحظة أنك تمتلك قطعة أرض، أو ربما منزلاً شيّده الأجداد، يختزن في كل زاوية من زواياه ذكريات لا تُقدر بثمن. فجأة، يأتيك إخطار بأن الدولة بحاجة إلى عقارك لمشروع عام، لشق طريق جديد، أو إقامة مستشفى، أو حتى لمدينة عصرية تُغير وجه المستقبل. يا ترى إيه اللي بيحصل في الحالة دي؟ كيف تُوازَن كفة المصلحة العامة الطموحة مع حق الفرد في ملكيته الخاصة؟ هذا هو التساؤل الجوهري الذي يحاول نظام سعودي جديد أن يجيب عليه، ويُقدم له حلولاً تُطمئن الجميع.

فقد شهدت “الجريدة الرسمية” مؤخرًا نشر “نظام نزع ملكية العقارات للمصلحة العامة ووضع اليد المؤقت على العقارات”، وهو تشريع طال انتظاره، حظي بموافقة مجلس الوزراء الموقر. هذا النظام، المكون من تسع وثلاثين مادة، ليس مجرد حزمة من البنود القانونية الجامدة، بل هو إطار شامل وشفاف يهدف إلى تنظيم عملية حساسة ومعقدة، ويُفترض أن يُعمل به بعد 120 يومًا من تاريخ نشره، مانحًا الجميع وقتًا كافيًا للاستعداد وتفهم مضامينه.

في جوهره، يؤكد النظام الجديد على مبدأ راسخ: لا يجوز نزع ملكية أي عقار أو وضع اليد المؤقت عليه إلا “للمصلحة العامة”، ومقابل “تعويض عادل”. هذه ليست مجرد عبارات عامة، بل هي ركائز أساسية تضمن حقوق المواطنين. طب يعني إيه المصلحة العامة دي؟ النظام حددها بكل وضوح: هي كل ما يحقق نفعًا عامًا من تنمية وازدهار تُرجح فيه مصلحة المجتمع على أي مصلحة خاصة، بالإضافة إلى كل ما يدفع ضررًا عامًا كالكوارث والأوبئة. بمعنى آخر، ليست أي مصلحة يمكن أن تكون مبررًا، بل يجب أن تكون فائدتها للمجتمع أكبر وأعمق. ومن المهم الإشارة إلى أن هذا النظام لا يسري على العقارات المملوكة للدولة، ولا تُتخذ إجراءات نزع الملكية إلا في حال عدم توفر عقارات حكومية تفي بالغرض، وهي نقطة منطقية تمامًا وتوضح أن الدولة تبدأ بنفسها أولاً.

أما عن التعويض، فالحق يُقال، النظام وضع معايير مُفصلة وعادلة. فمن تُنزع ملكية عقاره، يستحق تعويضًا يتضمن ثلاثة مكونات أساسية: القيمة السوقية للعقار، يُضاف إليها نسبة 20% إضافية كعوض عن نزع الملكية، وأخيرًا، يتم تعويض المالك عن أي أضرار ناشئة نتيجة لإجراءات النزع. تخيل إن ده مش مجرد سعر السوق وخلاص، ده فيه زيادة عشان تعوضك عن الانتقال والمجهود والتغيير، حاجة تطمن شوية بصراحة. وإذا تعلق الأمر بوضع اليد المؤقت، فإن التعويض يجب ألا يقل عن “أجرة المثل” (أي القيمة الإيجارية العادلة)، مع إضافة 20% إضافية عليها، إلى جانب تعويض عن الأضرار الناجمة عن هذا الإجراء المؤقت. كل ده بيضمن إن حقوق الناس مش هتروح هدر.

وقبل البدء في أي إجراءات، وضع النظام شرطًا بالغ الأهمية، وهو ضرورة توفر الاعتمادات المالية المخصصة لنزع الملكية، أو الملاءة المالية، أو حتى توفير أراضٍ بديلة لدى الجهة صاحبة المشروع. هذه الخطوة تعزز الشفافية وتمنع أي تعسف أو وعود غير قابلة للتنفيذ. ولتبسيط الإجراءات، يُطلب من مالكي العقارات تقديم مستندات إثبات الملكية خلال مدة لا تقل عن خمسة عشر يومًا من تاريخ إبلاغهم بقرار البدء، مما يضمن سير العملية بانسيابية وفعالية.

لعل الجزء الأكثر تعقيدًا وأهمية في هذا النظام هو آلية التقييم والتعويض. فالمادة الرابعة عشرة تنص على أن تقييم العقارات يتم بواسطة ثلاثة مقيمين معتمدين، تتولى الجهة صاحبة المشروع التعاقد معهم ودفع أتعابهم. كل مقيّم يقوم بواجبه بشكل مستقل، بناءً على معايير وأدلة تقييم محددة، ويُقدم تقريره الخاص. بعد ذلك، تأتي المادة الخامسة عشرة لتُضيف طبقة أخرى من التدقيق والشفافية. تُشكَّل لجنة في “الهيئة” (الهيئة العامة لعقارات الدولة) من ثلاثة مقيمين معتمدين أيضًا، لكن بتصنيف مهني لا يقل عن مستوى المقيمين الأولين، لمراجعة التقارير. إذا وُجد أي تقييم لا يتوافق مع المعايير، يتم استبعاده ويكلف مقيم آخر. ثم تتخذ اللجنة توصيتها بتحديد السعر المتوسط للتقييمات المتوافقة، ليصدر بعدها قرار باعتماد السعر من المحافظ، ويتم إبلاغ الأطراف المعنية خلال 90 يومًا. ده بيورينا إن الموضوع مش سهل خالص، وفيه خطوات كتير عشان التعويض يكون عادل ومبني على أسس قوية.

وبعيدًا عن التعويض النقدي فقط، سمحت المادة السادسة عشرة بأن يكون التعويض عينيًا، كأرض بديلة أو حصص مالية في المشروع ذاته، إذا رضي مالك العقار بذلك. هذا يفتح آفاقًا أوسع للملاك، خصوصًا من يرغبون في الاستثمار المستقبلي. وليس هذا فحسب، فالنظام يذهب لأبعد من ذلك لتقديم حوافز ومزايا، حيث يُعفى من تُنزع ملكية عقاره من ضريبة التصرفات العقارية عند شراء عقار بديل، ضمن شروط محددة ولمدة خمس سنوات. كما يُعفى من رسوم الأراضي البيضاء إذا كان التعويض عبارة عن أرض بديلة، وهي خطوة تُشجع على إعادة الاستثمار وتُخفف الأعباء المالية. وفيه استثناء معين لأراضي المنح الحكومية غير المستثمرة، ممكن يكون التعويض بأرض منحة بديلة لو الجهة الحكومية هي صاحبة المشروع، وده برضه بيراعي طبيعة بعض الملكيات.

ولضمان سير المشاريع بسلاسة، نص النظام في المادة 34 على حظر تخطيط الأراضي، تقسيمها، دمجها، أو الترخيص عليها بأي نشاط، وذلك في الأراضي المحددة ضمن مخطط المشروع، بدءًا من تاريخ إبلاغ المالكين. هذا يمنع أي عوائق أو تغييرات قد تؤثر على تنفيذ المشروع. وأخيرًا، لضمان التطبيق الفعال لهذا النظام، ستتولى الهيئة العامة لعقارات الدولة، بالتنسيق مع وزارة الاستثمار وهيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية، إعداد اللائحة التنفيذية خلال 120 يومًا من تاريخ نشر النظام.

في النهاية، هذا النظام الجديد يُمثل خطوة محورية في رحلة التنمية الطموحة التي تشهدها المملكة، خاصةً في ظل مشاريع عملاقة مثل نيوم والبحر الأحمر و”ذا لاين” وغيرها. إنه يسعى لخلق توازن دقيق بين ضرورة المضي قدمًا في تحقيق رؤية 2030 الطموحة، والحفاظ على حقوق المواطنين وممتلكاتهم. هل يُمكن لهذا الإطار القانوني أن يُقدم النموذج الأمثل لنزع الملكية العادل؟ الوقت كفيل بالإجابة، لكن الواضح هو أن هناك جهودًا حقيقية لبناء الثقة وتقديم ضمانات شفافة لمستقبل مشرق، دون أن يأتي ذلك على حساب كرامة أو حقوق الأفراد. إنها رسالة واضحة بأن التنمية والعدالة يجب أن تسيران جنبًا إلى جنب.

Leave a Comment

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.