في قلب العاصمة السودانية، الخرطوم، وبين زحام الأسواق المعتاد، كان حديث الناس يوم الثلاثاء، الثالث والعشرين من سبتمبر لعام 2025، يدور حول قفزة جديدة، لكن هذه المرة لم تكن قفزة في الأسعار العادية، بل في سعر “الذهب”. هذا المعدن الأصفر الذي لطالما اعتبره السودانيون ملاذاً آمناً ومدخراً قيماً، شهد ارتفاعاً ملحوظاً، تاركاً خلفه تساؤلات كثيرة حول مستقبل القدرة الشرائية والاستثمار في ظل تقلبات الاقتصاد العالمي والمحلي.

هل الذهب، هذا المعدن النفيس، ما زال قادراً على لعب دور الملاذ الآمن في هذه الأوقات المضطربة؟ أم أنه أصبح مجرد مؤشر آخر على موجة تضخمية تعصف بالجميع؟ الإجابة لا تبدو سهلة، خاصة مع تأرجح الأسعار يومياً، بل وساعياً في بعض الأحيان. ولكن ما هو مؤكد، هو أن الأسواق السودانية لم تكن بمعزل عن هذه الديناميكية العالمية، فمع كل صعود لسعر الأوقية في البورصات الدولية، يتردد صداه فوراً في محلات الصاغة بالخرطوم ومدن السودان الأخرى.

يوم الثلاثاء تحديداً، استيقظ المواطنون ليجدوا أنفسهم أمام واقع جديد؛ فالأسعار سجلت صعوداً قوياً، مدفوعة بشكل أساسي بارتفاع قيمة المعدن الأصفر عالمياً. وهذا، يا سيدي، هو لب الموضوع. فالسودان، كغيره من الدول، يتأثر بشكل مباشر بالحركة العالمية لسعر الذهب، ومع كل تحرك في بورصات لندن ونيويورك، تجد الأسعار المحلية تتأرجح تبعاً لذلك. بصراحة كده، اللي بيحصل بره بيسمّع عندنا على طول، ومفيش مفر من كده.

دعونا نغوص في الأرقام التي وثقت هذه القفزة. بالنسبة للذهب عيار 24، وهو الأكثر نقاءً ويزنشه المستثمرون عادةً، فقد وصل سعر الجرام الواحد منه في الأسواق السودانية إلى نحو 72,450 جنيهاً سودانياً. ولنضع هذا الرقم في سياقه الدولي، فإنه يعادل تقريباً 120.47 دولار أمريكي، في إشارة واضحة لتراجع قيمة العملة المحلية. هذا العيار، على الرغم من نقائه، لا يستخدم بكثرة في صناعة الحلي نظراً لليونته، لكنه يبقى المعيار الأهم في تقدير قيمة الذهب الخام.

أما عن عيار 21، وهو العيار الأكثر شعبية واستخداماً في المجوهرات والحلي اليومية في السودان ومعظم الدول العربية، فقد شهد هو الآخر ارتفاعاً ملموساً. فقد سجل سعر الجرام الواحد من هذا العيار حوالي 63,400 جنيه سوداني، أي ما يوازي 105.41 دولار أمريكي. وهذا الرقم بالتحديد له دلالة كبيرة، فهو يمس شريحة واسعة من المواطنين، سواء من يرغبون في شراء هدية لمناسبة معينة، أو من يعتبرونه استثماراً متوسط المدى. الناس اللي كانت بتفكر تشتري الشبكة أو حتة دهب للمستقبل، أكيد حسوا بالفرق ده كويس.

ولم يغفل الارتفاع عيار 18، الذي يُعد خياراً اقتصادياً نسبياً أو يستخدم في بعض التصميمات الفنية التي تتطلب صلابة أكبر. فقد بلغ سعر الجرام من هذا العيار 54,350 جنيهاً سودانياً، ما يعادل حوالي 90.35 دولار أمريكي. هذه الأرقام، مجتمعة، ترسم صورة واضحة لمدى تأثير العوامل الاقتصادية الكلية على أدق تفاصيل الحياة اليومية للمواطن السوداني.

كل هذه الارتفاعات المحلية، طبعاً، لم تحدث من فراغ. فالسبب الجذري يكمن في ما شهدته الأسواق العالمية. سعر الأوقية من الذهب عيار 24، وهي وحدة القياس الدولية الأساسية، قفزت بدورها لتصل إلى نحو 3,747 دولاراً أمريكياً يوم الثلاثاء. وهذا السعر العالمي هو المحرك الرئيسي لكل التغيرات التي نشهدها محلياً. عندما يرتفع سعر الأوقية بهذا الشكل، فإنه يرفع معه أسعار جميع العيارات في كل مكان، لأن الذهب سلعة عالمية تتأثر بالعرض والطلب والتوقعات الاقتصادية والجيوسياسية على مستوى الكوكب.

هذا الارتفاع المستمر في أسعار الذهب يثير تساؤلات جدية حول المستقبل. هل سيستمر الذهب في صعوده الجنوني؟ وهل سيظل ملاذاً آمناً في ظل تآكل القوة الشرائية للعملات المحلية؟ بالنسبة للمستثمرين، قد يبدو الذهب خياراً مغرياً لحماية رؤوس أموالهم من التضخم، ولكنه بالنسبة للمواطن العادي، الذي يعيش على راتب محدود، يصبح الذهب حلماً بعيد المنال، أو على الأقل، استثماراً يتطلب تضحيات أكبر.

في النهاية، ما نشهده ليس مجرد أرقام تتغير على شاشات البورصات، بل هو انعكاس لأوضاع اقتصادية أوسع نطاقاً، تتداخل فيها السياسات النقدية، والأحداث الجيوسياسية، ومشاعر الخوف والطمع في الأسواق. إنها قصة الاقتصاد العالمي الذي لا يتوقف عن الحركة، وتأثيراته التي تصل إلى أبعد بقاع الأرض، لتغير، ولو بشكل بسيط، من طبيعة قراراتنا اليومية، سواء كنا نخطط لشراء قطعة مجوهرات، أو نفكر في الحفاظ على مدخراتنا القليلة. السؤال الذي يبقى معلقاً في الهواء هو: إلى متى سيظل الذهب سيد الموقف، وإلى أين سيأخذنا هذا الصعود المستمر؟ الأيام القادمة وحدها من تحمل الإجابة.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.