Ahmed
في عالمٍ أصبحَت فيه أصواتُ المؤثرين تُحرّك أسواقًا بأكملها، يأتي خبرٌ ليعيدَ تأكيدَ هذه الحقيقة بقوةٍ لا تُناقَش. تخيل أن شخصًا بمجرد حركةٍ ماليةٍ واحدةٍ، يُشعل جنونًا استثماريًا ويرفع قيمة عملة رقمية إلى عنان السماء. هل هذا ممكن؟ وهل ما زلنا نُقلّل من شأن التأثير الكاسح لنجوم الإنترنت على قراراتنا الاقتصادية؟
هذا بالضبط ما حدث مؤخرًا مع جيمي دونالدسون، المعروف عالميًا باسم “MrBeast”، اليوتيوبر الأكثر شهرة في الكوكب. كشفت بيانات حديثة صادرة عن شركة “Arkham Intelligence” المتخصصة في تحليل سلاسل الكتل، عن خطوةٍ ماليةٍ جريئةٍ من قِبل MrBeast، إذ قام بتحويل مبلغ 114,000 دولار أمريكي لشراء عملة “ASTER” الرقمية. هذا التحرك، الذي بدا بسيطًا في ظاهره، كان بمثابة الشرارة التي أشعلت صاروخ ASTER نحو مستويات قياسية، لتُسجّل ارتفاعاتٍ فاقت كل التوقعات.
صرخة MrBeast تُزلزل سوق ASTER
لم يكن “ASTER” اسمًا غريبًا على رادار “Arkham Intelligence”، فقد سلّطت المنصة الضوء عليه للمرة الأولى في العشرين من سبتمبر. لكن ما حدث بعد صفقة MrBeast كان جنونيًا بكل المقاييس. تخيّل أن عملة رقمية تقفز بنسبة 1,624% منذ إطلاقها، بل وتُحقق قفزةً مذهلةً بلغت 1,900% خلال الأسبوع الماضي وحده. ومع الكشف عن استثمار MrBeast، ارتفعت العملة بنسبة 44% إضافية خلال 24 ساعة فقط، لتصل قيمة التداول إلى 1.68 دولار، ثم لتلامس ذروتها التاريخية عند 1.97 دولار في الحادي والعشرين من سبتمبر. بصراحة، دي أرقام تخلي أي حد يفكر “يا ترى فاتني إيه؟”.
ولكن، ما هي “ASTER” هذه التي حظيت بكل هذا الاهتمام؟ هي العملة الرقمية الأصلية لبورصة لامركزية مخصصة لتداول مشتقات العملات الرقمية. ما يميّز هذه المنصة هو دعمها القوي من شركة “Yzi Labs”، وهي شركة رأس مال استثماري أسسها تشانغبنغ تشاو، الشهير بـ “CZ”، المؤسس المشارك لعملاق العملات الرقمية “Binance”. بفضل هذا الدعم القوي، سرعان ما برزت ASTER كمنافس شرس لمنصات لامركزية أخرى، مثل “Hyperliquid”.
لم تولد ASTER باسمها الحالي، فقد بدأت رحلتها في عام 2021 تحت اسم “ApolloX”، قبل أن تتم إعادة تسميتها وتجديدها في عام 2024. وقبل أيام قليلة من صفقة MrBeast، شهد المشروع حدثًا مهمًا وهو إطلاق الرموز (TGE)، والذي أتاح لحاملي عملة “APX” الخاصة بـ “ApolloX” استبدالها بعملات ASTER الجديدة عبر عملية “إنزال جوي” (Airdrop)، وهي خطوة لاقت إشادةً واسعةً في مجتمع العملات الرقمية.
“CZ” يُعلّق والضجيج يتصاعد
كان تأثير خبر استثمار MrBeast فوريًا وملموسًا، حتى أن تشانغبنغ تشاو نفسه، “CZ”، لم يستطع تجاهل هذه الضجة. فبعد الكشف عن الصفقة بفترة وجيزة، رد “CZ” على “X” (تويتر سابقًا) بمجموعة من الرموز التعبيرية التي تُشير إلى أنه يتابع عن كثب تحركات MrBeast في ASTER، وكأنه يبارك هذه الخطوة أو يؤكد على أهميتها. هذا النوع من التفاعل من شخصية مؤثرة مثل “CZ” يعطي الخبر وزنًا أكبر ويُشير إلى أن هذا الأمر “مش هزار” في عالم الكريبتو.
لكن لماذا يمتلك MrBeast، وهو صانع محتوى في الأساس، هذا التأثير الهائل على سوق المال الرقمي؟ الإجابة تكمن في أرقامه الفلكية. فقناته على يوتيوب تضم أكثر من 438 مليون مشترك، وهو رقم يتجاوز عدد سكان العديد من الدول. معروف بتحدياته الضخمة وأعماله الخيرية السخية، استطاع جيمي دونالدسون أن يُحوّل نجاحه على يوتيوب إلى ثروة طائلة جعلت منه مليارديرًا. عندما يتحرك شخص بهذه الشهرة في أي مجال، فإن الأضواء تتجه إليه تلقائيًا، فما بالك بسوق متقلب وحساس مثل العملات الرقمية؟ حتى مؤسس Dogecoin، بيلي ماركوس، شارك مؤخرًا أنه كان يحلم بالفوز “بدراجة كهربائية جميلة” من تحديات MrBeast الصعبة، مما يُظهر تغلغل تأثيره حتى في ثقافة “الميمز” الرقمية.
محفظة MrBeast الرقمية: ما خفي كان أعظم؟
لم تكن صفقة ASTER هي المغامرة الأولى لـ MrBeast في عالم العملات الرقمية. ففي مقابلة أجريت عام 2021، كشف عن امتلاكه ما يقرب من 1.5 مليون دولار من عملة البيتكوين. كما شارك أنه اشترى ثمانية من “CryptoPunks” كـ “NFTs”، ثم أعاد بيعها لاحقًا بما يتراوح بين 20 إلى 30 ضعف قيمتها الأصلية، واستثمر أرباحه في مشروع “VeeFriends” للملياردير غاري فاينرتشوك.
تقارير أخرى أشارت إلى أنه كان يحتفظ بحوالي 2 مليون دولار من البيتكوين، وكاد أن يفقد هذا المبلغ خلال عملية سطو كادت أن تفقده مفتاحه الخاص. وفي حين أن بعض المواقع المخصصة لليوتيوبرز قد زعمت امتلاكه 21 بيتكوين و912 عملة NFT، إلا أن هذه الأرقام لم تُؤكد بشكل مباشر من جانبه. لكن الشيء الأكيد هو أن ملفه الشخصي على منصة “Arkham” يوثق نشاطه الرقمي وحركات محفظته، مما يسلط الضوء على مقتنياته ومعاملاته السابقة والتحويلات الأخيرة عبر الرموز المختلفة.
وما يثير الاهتمام أكثر هو تقرير صادر عن موقع “CryptoRank” عام 2024، استنادًا إلى تحقيقات المحقق “SomaXBT” على سلسلة الكتل. أظهر البحث أن اليوتيوبر الشهير حقق أرباحًا تتجاوز 10 ملايين دولار من خلال الترويج لرموز مشفرة ذات رؤوس أموال منخفضة. أوضح “SomaXBT” كيف دعم MrBeast العروض الأولية اللامركزية (IDOs) للعديد من الرموز، والتي رُوّج لها أيضًا مؤثرون آخرون في مجال العملات الرقمية. كشف التقرير عن نمط واضح في استثماراته، حيث كان يحصل على تخصيصات مباشرة عند الإطلاق. يعني إيه الكلام ده؟ يعني MrBeast ما دخلش السوق “عمياني”، بل كان عنده استراتيجية واضحة للاستثمار والترويج، وده اللي جابله المكاسب الكبيرة دي.
درسٌ للمستثمرين في عصر التأثير الرقمي
في النهاية، قصة MrBeast و ASTER هي أكثر من مجرد خبر عن استثمار رقمي وارتفاع أسعار. إنها تجسيد حي لقوة التأثير الرقمي في تشكيل الواقع الاقتصادي. إنها تُبرز كيف يمكن لشخص واحد، بفضل قاعدته الجماهيرية الهائلة، أن يُحدث هزاتٍ في أسواقٍ تُقدّر بمليارات الدولارات.
أكيد كتير مننا ممكن يسأل: هل يجب أن نتبع خطوات هؤلاء المؤثرين؟ وهل استثمار MrBeast هذا كان مجرد صفقة عادية أم أنه يندرج تحت استراتيجية أوسع للترويج والاستفادة؟ هذه الأسئلة تظل مفتوحة. ولكن ما لا شك فيه هو أن هذه الحادثة تُقدم درسًا قيمًا حول طبيعة أسواق العملات الرقمية المتقلبة، حيث تتداخل التكنولوجيا المالية مع شهرة المشاهير وتأثيرهم الجارف. بالنسبة للمستثمر العادي، تبقى الرسالة واضحة: في هذا العالم، المعلومة الصحيحة والتحليل العميق قبل اتخاذ أي قرار، قد يكون هو الفارق بين قصة نجاح باهرة أو مجرد موجة عابرة يركبها الكبار.
