في عالمٍ تتغير فيه المعطيات الاقتصادية باستمرار، ويُصبح فيه الأمان المالي عملة نادرة، يظل الذهب بريقه الثابت وملاذ الأزمات. لكن هل يُمكن أن يُصبح هذا الملاذ في حد ذاته حدثاً اقتصادياً تاريخياً؟ الإجابة جاءت من السوق المصري خلال الأيام القليلة الماضية، حيث سجّل المعدن الأصفر أرقاماً لم يسبق لها مثيل، ليُلامس حاجز الـ 5000 جنيه للجرام الواحد، ويُثير تساؤلات كثيرة حول اتجاهاته المستقبلية وتأثيرها على جيوب المواطنين.

في يوم الأربعاء الموافق 24 سبتمبر 2025، شهدت أسعار الذهب داخل محلات الصاغة المصرية نوعاً من الاستقرار الحذر، بعد موجة صعود قوية سبقتها بيومين فقط. الحديث هنا عن قفزة بلغت نحو 100 جنيه في سعر جرام الذهب عيار 21، وهو العيار الأكثر تداولاً وشعبية في مصر. هذا الاستقرار الظاهري لا يجب أن يُضللنا، فالأسعار ما زالت تحلّق في مستويات غير مسبوقة، وكأنها تستجمع أنفاسها قبل رحلة صعود جديدة، أو ربما تستعد لسيناريو آخر.

لكن لماذا هذا الصعود الدراماتيكي الذي دفع بأسعار الذهب لتكسر حاجز الخمسة آلاف جنيه؟ الإجابة، كما أوضحت شعبة الذهب المصرية، تكمن في تأثير السوق العالمي الذي يُشبه محيطاً هادراً يؤثر في كل الشواطئ. على الصعيد الدولي، حافظ الذهب على ارتفاعه خلال تداولات منتصف اليوم، حيث قفزت العقود الفورية بنسبة 4%، لتصل قيمة الأوقية إلى 3778.78 دولار أمريكي. هذا الارتفاع العالمي تغذيه توقعات المستثمرين باستمرار انخفاض أسعار الفائدة، مما يجعل الذهب، الذي لا يُقدم عائداً دورياً، أكثر جاذبية كمخزن للقيمة في ظل بيئة اقتصادية تُشجع على التحوّط من التضخم. يعني، وبكل بساطة، لما الفايدة تقل، الناس بتجري على الدهب عشان يحافظوا على قيمة فلوسهم، وده اللي بيرفع سعره.

هذه العوامل مجتمعة دفعت بالذهب المحلي نحو ذروته التاريخية. فتأثر السوق المصري بالارتفاعات العالمية كان حتمياً، ولم يُدرك كثيرون حجم هذه القفزة إلا عندما تجاوزت أسعار الجرام تلك العتبة النفسية الهامة، لتُصبح حديث المجالس والتجمعات. الناس كلها بتتكلم: “يا جماعة، الدهب عدى الـ 5000 جنيه! إزاي وفين؟”. هذا السؤال أصبح على كل لسان، خاصةً لمن كانوا يُخططون لشراء الشبكة أو الاستثمار.

تفصيلاً، استقرت أسعار الأعيرة الرئيسية اليوم عند قيمتها الأخيرة المسجلة بعد الزيادة القياسية. فعيار 24، وهو الأكثر نقاءً، استقر عند 5728 جنيهاً مصرياً للجرام. أما عيار 21، الشائع والمُفضّل لدى غالبية المصريين، فحافظ على سعره عند 5020 جنيهاً مصرياً. وبالنسبة لعيار 18، الذي يُقبل عليه البعض بسبب تصاميمه المتنوعة وتكلفته الأقل نسبياً، فقد سجّل 4300 جنيه للجرام. هنا يجب التنويه لنقطة مهمة جداً: هذه الأسعار تشمل بالفعل زيادة قدرها 100 جنيه تُضاف كـ “مصنعية” على سعر الجرام المعلن، وهو أمر أصبح شبه ثابت في حسابات الصاغة، وبصراحة، الـ “مصنعية” دي حاجة بتزود الحمل على المشتري.

وعلى صعيد “الجنيه الذهب”، الذي يُعتبر مؤشراً هاماً للاستثمار وتخزين القيمة، فقد شهد هو الآخر ثباتاً نسبياً، ليسجل 40160 جنيهاً مصرياً، وهذا السعر لا يشمل المصنعية والضريبة. وهذا يعني أن سعره الإجمالي للمستهلك سيكون أعلى بطبيعة الحال، وهذا بيخلي ناس كتير تحتار، هل دلوقتي وقت الشرا ولا البيع؟

هذا الارتفاع الصاروخي في أسعار الذهب يضع المستهلكين والمستثمرين على حد سواء أمام مفترق طرق. فمن جهة، يُعد الذهب ملاذاً آمناً في أوقات التضخم وتقلبات العملة، وبالتالي فإن ارتفاع قيمته يمثل حماية للمدخرات. ومن جهة أخرى، يُصبح شراؤه حلماً بعيد المنال للكثيرين، خصوصاً الشباب المقبل على الزواج، حيث تُشكل “الشبكة” جزءاً كبيراً من تكاليف الزفاف. فهل يُمكن تخيل أن يصبح جرام الذهب سلعة فاخرة لا يملكها إلا القليل؟ أم أن هذه الموجة ستُتبع بتصحيح للسوق؟

في الختام، يظل الذهب ذلك الساحر الذي يُبهرنا ببريقه ويُحيّرنا بتقلباته. إن وصوله إلى هذه المستويات التاريخية لا يُعد مجرد خبر اقتصادي عابر، بل هو مرآة تعكس التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية الكبرى التي يشهدها العالم. إنه يدفعنا للتفكير بعمق في قيمة المال، وفي كيفية حماية مدخراتنا في زمنٍ تتلاشى فيه الثوابت الواحدة تلو الأخرى. فهل سنشهد المزيد من الصعود؟ أم أن هذه القمة ستكون نقطة تحول؟ الأيام القادمة وحدها هي التي ستحمل لنا الإجابات، ولكن المؤكد أن الذهب سيظل، إلى أجل غير مسمى، “ملك المعادن”.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.