الذهب… يا له من معدن حير البشرية على مر العصور! تارة يرتفع كالصواريخ، وتارة أخرى يهبط في خفة، تاركًا خلفه حيرة في النفوس. في مصر، حيث الذهب ليس مجرد زينة، بل هو جزء أصيل من ثقافتنا وملاذ آمن لمدخرات الكثيرين، تشبه أسعاره في الآونة الأخيرة دقات قلب مضطربة، تارة سريعة محمومة وتارة أخرى تهدأ لتلتقط أنفاسها. فما هي حكايته هذه الأيام؟ وهل الهدوء الذي نراه الآن هو استراحة محارب أم إشارة لتغيير قادم؟

في مطلع الأسبوع، استيقظ السوق المصري على صدمة سعرية حقيقية. يوم الاثنين، شهد المعدن الأصفر ارتفاعًا غير مسبوق، كأنما نفض عنه غبار السكون لينطلق بقوة، خاصة العيار 21، الشريان الأساسي للسوق المحلي والأكثر تداولاً بين الناس، الذي قفز وحده بمائة جنيه كاملة في الجرام الواحد. تخيل معي، مائة جنيه دفعة واحدة! دي مش حاجة قليلة خالص يا جماعة، وتسببت في موجة من الدهشة بين المتعاملين والتجار على حد سواء. الناس بدأت تتساءل: يا ترى إيه اللي بيحصل؟ هل ده بداية لموجة ارتفاعات جديدة؟ وهل الأسعار دي هتستمر ولا ده مجرد “فنكوش” مؤقت؟

لكن، وكما هي عادة الأسواق، لا شيء يدوم على وتيرة واحدة طويلاً. فاليوم، الأربعاء الموافق 24 سبتمبر 2025، يبدو المشهد مختلفًا تمامًا. فبعد “قفزة الإثنين” الدراماتيكية، عادت أسعار الذهب إلى مربع الاستقرار الهادئ. نعم، استقرت! وكأن المعدن الأصفر قد التقط أنفاسه بعد سباق محموم، فبقي على مستوياته الحالية دون تغيرات كبيرة. هذا الاستقرار لا يتعلق بالأسعار المحلية فحسب، بل ينسحب أيضًا على السعر العالمي للأوقية بالدولار في البورصات العالمية، وهو ما يفسر بشكل أو بآخر حالة الثبات التي نراها في أسواقنا المحلية، لأن فيه ترابط وثيق طبعًا بين العالمي والمحلي.

ولفهم الصورة بشكل أوضح، دعونا نلقي نظرة على الأرقام الدقيقة التي قدمتها لنا الشعبة العامة للذهب والمجوهرات بالاتحاد العام للغرف التجارية، وهي الجهة الموثوقة التي نعتمد عليها في متابعة حركة هذا السوق الحساس. الأرقام ترسم لنا ملامح هذا الاستقرار:

  • عيار 24: هذا العيار، الذي يُعرف بنقائه العالي وغالبًا ما يستخدم في السبائك والجنيهات الذهبية، سجل اليوم سعرًا بلغ 5737 جنيهًا مصريًا للجرام الواحد. رقم كبير يعكس القيمة العالية لهذا المعدن.
  • عيار 21: أما بطل القصة، العيار الأكثر شيوعًا في محلات الصاغة المصرية ولدى المقبلين على الزواج والمستثمرين الصغار، فقد استقر عند 5020 جنيهًا للجرام. هذا هو العيار الذي شهد قفزة المائة جنيه يوم الاثنين، واليوم يتنفس الصعداء عند هذا المستوى.
  • عيار 18: وللمهتمين بالمشغولات الذهبية ذات الطابع العملي والاقتصادي نسبيًا، وصل سعر جرام الذهب عيار 18 إلى 4302 جنيه مصري.
  • الجنيه الذهب (عيار 21): وبالنسبة لمن يفضلون شراء الجنيهات الذهبية كوعاء استثماري، فقد بلغ سعر الجنيه الذهب من عيار 21، بوزنه الذي يبلغ 8 جرامات، حوالي 40160 جنيهًا مصريًا.
  • الذهب عالميًا: على الصعيد الدولي، والذي يعتبر المؤشر الرئيسي لاتجاهات السوق، سجلت الأوقية الواحدة من الذهب، أي ما يعادل حوالي 31.1 جرامًا، سعر 3728 دولارًا أمريكيًا. هذا الاستقرار العالمي كان له بالغ الأثر في تهدئة السوق المحلية.

الاستقرار الحالي قد يكون بمثابة فترة ترقب، ينتظر فيها السوق إشارات جديدة سواء من التطورات الاقتصادية العالمية أو حتى من الأوضاع المحلية. هل هذا هو الوقت المناسب للشراء لمن فاتته فرصة الانخفاضات السابقة؟ أم أنه هدوء يسبق عاصفة سعرية أخرى؟ لا يمكن لأحد أن يجزم بذلك في سوق الذهب المتقلب، الذي يتأثر بالعديد من العوامل مثل أسعار الفائدة العالمية، قوة الدولار، التوترات الجيوسياسية، وحتى توقعات التضخم.

في النهاية، يبقى الذهب، بريقه الأخاذ وقيمته العابرة للزمن، ملاذًا آمنًا للكثيرين في أوقات الشك والاضطراب الاقتصادي. إنها حقيقة لا جدال فيها. ولكن، على كل مستثمر أو مقبل على شراء الذهب أن يراقب السوق بعناية وأن يفهم أن التقلبات هي جزء لا يتجزأ من طبيعة هذا المعدن النفيس. فالهدوء الذي نراه اليوم، قد يكون مجرد لمحة عابرة في قصة طويلة ومعقدة، أو قد يكون بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار. الأيام القادمة وحدها من ستحمل لنا الإجابة على هذه التساؤلات، فهل نحن مستعدون لما هو قادم؟

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.