الذهب، ذلك المعدن الذي لطالما ارتبط بالثراء والأمان، يواصل رحلة صعوده الصاروخية. هل أصبح مجرد حلية فاخرة تُشترى للمناسبات، أم لا يزال الحصن المنيع في وجه تقلبات الاقتصاد العالمي والمحلي؟ في الثاني من أكتوبر 2025، استيقظ المصريون على واقعٍ جديدٍ يؤكد أنَّ بريق الأصفر لا يزال يخطف الأنظار، وإن كان بسعرٍ يثير الدهشة والاستفسار. أسعار الذهب تستمر في تحطيم الأرقام القياسية، لتدخل في فصل جديد من مسلسل الارتفاعات التي بدأت منذ منتصف الشهر الماضي، فما القصة وما الذي يدفع هذا المعدن النفيس إلى هذه المستويات غير المسبوقة؟
الموضوع مش مجرد ارتفاع عابر، يا جماعة. اللي بيحصل ده جزء من موجة عالمية، كأن الذهب قرر إنه يركب الموجة العالية ويرفع من قيمته بلا هوادة. المؤشرات كلها بتشاور على أن القفزة الكبيرة التي شهدها السوق المصري يوم الخميس الماضي، الموافق للثاني من أكتوبر لعام 2025، كانت انعكاساً مباشراً لما يحدث في البورصات العالمية الرئيسية. ببساطة كده، لما الذهب بيغلى برا في الأسواق الدولية، لازم هيغلى عندنا هنا، وده بيخلي الناس تتكلم عن إن الذهب أصبح استثماراً عالمياً بامتياز، لا يقتصر على حدود دولة بعينها. وعلى الرغم من كل هذه المستويات السعرية المرتفعة، كثيرون ما زالوا يرون فيه الملاذ الآمن والدرع الواقي من التضخم وتذبذبات العملات، هو دايمًا كده، كل ما الدنيا تلخبط والأسواق تهتز، الناس تجري على الذهب وكأنها تبحث عن ملاذ لا يخيب آمالها.
لنغوص قليلاً في تفاصيل الأرقام التي أعلنتها السوق المصرية في مطلع تعاملات اليوم المذكور، والتي شملت جميع الأعيرة المتداولة. عيار 21، والذي يُعد الأكثر تداولاً وشعبية بين المصريين، سجل مبلغ 5225 جنيهاً مصرياً لسعر البيع، فيما بلغ سعر الشراء 5200 جنيه مصري. أما عيار 18، الذي يفضله البعض للمشغولات الدقيقة ذات التصميمات المعقدة، فقد وصل إلى 4478.5 جنيهاً مصرياً للبيع، و4457.25 جنيهاً مصرياً للشراء. ولمن يبحث عن أعلى مستويات النقاء والقيمة الادخارية، عيار 24 حلّق ليلامس حاجز 5971.5 جنيهاً مصرياً للبيع، و5942.75 جنيهاً مصرياً للشراء. أرقامٌ قد تبدو فلكية للبعض وتُصعّب من عملية الاقتناء، لكنها واقعٌ معاش في سوق الذهب هذه الأيام، وتستمر في الصعود تدريجياً.
وإذا تحدثنا عن “الجنيه الذهب”، هذا المنتج الذي تحول إلى أيقونة للادخار والاستثمار في الآونة الأخيرة بفضل سهولة تخزينه وتداوله، فقد شهد هو الآخر قفزة ملموسة لم يستهان بها. في مستهل تعاملات الثاني من أكتوبر، بلغ سعر الجنيه الذهب 41800 جنيه مصري للبيع، ووصل إلى 41600 جنيه مصري للشراء. وهذا يعني زيادة لا تقل عن أربعين جنيهاً في سعره خلال التحديث الأخير، وهي قفزة ليست بسيطة أبداً في يوم واحد، وتُضاف إلى سلسلة الارتفاعات السابقة. وعلى الصعيد العالمي، لم يختلف المشهد كثيراً؛ فقد تجاوز سعر أوقية الذهب حاجز 3865 دولاراً، مسجلاً 3865.89 دولاراً للبيع و3865.6 دولاراً للشراء. هذه الأرقام المتزامنة تؤكد الترابط الوثيق بين الأسواق المحلية والعالمية، وأن الذهب عملة عالمية لا تعترف بالحدود الجغرافية، بل تتأثر بالمعطيات الاقتصادية والسياسية في كل بقاع الأرض.
لكن مهلاً، لا تنتهي القصة عند السعر الخام للذهب فقط، فالمشهد له أبعاد إضافية. هناك عامل آخر لا يقل أهمية، بل يزيد الطين بلة أحياناً، ألا وهو “المصنعية”. يا جماعة، سعر المصنعية ده حكاية لوحدها، ورغم إنها تختلف بطبيعتها باختلاف نوع قطعة المشغولات الذهبية، وشهرة التاجر، ومكان الشراء، إلا أنها شهدت هي الأخرى ارتفاعاً ملحوظاً يثقل كاهل المشتري. بالنسبة لعيار 21، باتت تتراوح المصنعية بين 200 و250 جنيهاً مصرياً للجرام الواحد، في حين يتراوح سعر مصنعية عيار 18 بين 150 و200 جنيه مصري. يعني إيه الكلام ده؟ يعني المبلغ اللي بتدفعه مش بس قيمة الذهب الصافي، لأ ده كمان فيه “صنعة” بفلوس، وبتضاف عليها “ضريبة القيمة المضافة” و “الدمغة”. وبصراحة، متجيش تقولي إن مصنعية القاهرة زي مصنعية الصعيد؛ فالمناطق الساحلية والمدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية غالباً ما تشهد أسعار مصنعية أعلى من محافظات وجه قبلي، مما يضيف تعقيداً آخر على معادلة الشراء الشاملة.
في خضم هذه الارتفاعات المتتالية، يطرح سؤال جوهري يتردد على ألسنة الكثيرين: هل لا يزال الذهب هو الملاذ الآمن الذي نلجأ إليه وقت الأزمات الاقتصادية وتقلبات الأسواق، أم أنه تحول إلى سلعة فاخرة يصعب اقتناؤها على الكثيرين وتجاوزت قدراتهم الشرائية؟ الواقع يقول إن بريق الذهب لم يخفت، بل على العكس، زاد توهجاً كخيار استثماري مفضل للكثيرين. ففي أوقات عدم اليقين الاقتصادي والتضخم المرتفع، يميل المستثمرون والأفراد إلى تحويل مدخراتهم إلى الأصول الصلبة، والذهب على رأس هذه القائمة بفضل تاريخه الطويل كمخزن للقيمة. إنه مخزن للقيمة يحافظ على قوته الشرائية على المدى الطويل، حتى لو كانت تكلفته الأولية مرتفعة حالياً. فالكل يعلم أن قيمة الجنيه المصري ممكن أن تقل مع مرور الوقت أو بسبب الظروف الاقتصادية، لكن الذهب غالباً ما يحافظ على قيمته الشرائية، ويمكن كمان يزيد.
إذن، ما الذي يعنيه كل هذا بالنسبة للمواطن العادي الذي يخطط لمناسبة، أو حتى المستثمر الصغير الذي يبحث عن قناة لحماية مدخراته؟ يعني ببساطة، إن شراء الذهب أصبح يحتاج إلى دراسة وتأني وحسابات أكثر دقة من أي وقت مضى. هل ننتظر انخفاض الأسعار الذي قد لا يأتي قريباً، أم نقتنص الفرصة للاستثمار في معدن يثبت جدارته عبر العصور كضمان للمستقبل؟ المؤشرات الحالية لا توحي بتراجع وشيك في الأفق، بل تشير إلى أن الذهب قد يستمر في مسيرته الصعودية مدفوعاً بعوامل اقتصادية وجيوسياسية عالمية معقدة. يبقى الذهب ملك المعادن بامتياز، ومع كل ارتفاع جديد في سعره، تتجدد معه النقاشات حول دوره ومستقبله في محافظنا الاستثمارية ومجتمعاتنا، لكن الأكيد أنه سيظل دائمًا له سحره الخاص وقيمته المتفردة التي لا تزول، ويبقى ملاذاً يفضله الكثيرون في زمن الاضطرابات الاقتصادية.