في عالم تتسارع فيه التغيرات الاقتصادية وتزداد فيه حالة عدم اليقين، تبرز بعض القطاعات كركيزة للاستقرار والتفاؤل. ومن قلب المشهد المصري، يلوح القطاع العقاري في الأفق كشاهد على قدرة الاقتصاد على التكيف والنمو، محققًا قفزات نوعية تستحق التأمل. فهل نحن أمام مرحلة جديدة من الازدهار العقاري، أم أن هناك تحديات ما زالت تنتظر حلولًا مبتكرة؟ دعونا نتعمق في التفاصيل.
بالأرقام، تتضح الصورة جلية؛ فقد أكد المهندس طارق شكري، رئيس غرفة التطوير العقاري، أن القطاع العقاري في مصر لا يتمتع بالقوة والاستقرار فحسب، بل يشهد أيضًا تقدمًا ملحوظًا في ملف تصدير العقار. تخيل أن قيمة العقارات التي تم بيعها خارجيًا قفزت خلال العام الجاري لتصل إلى مليار ونصف المليار دولار! هذا الرقم وحده يستدعي الوقوف عنده، خاصة عندما نقارنه بخمسمائة مليون دولار فقط حققها القطاع في العام الماضي. يعني باختصار، تضاعفت المبيعات ثلاث مرات في فترة زمنية قصيرة نسبيًا. ألا يدعو هذا للدهشة والتساؤل عن سر هذا الأداء اللافت؟
هذا النمو لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج جهود مبذولة ورؤية واضحة يتم بلورتها على أعلى المستويات. وربما كانت الرسائل التي خرج بها الاجتماع الأخير الذي عقده الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مع اللجنة الاستشارية للتنمية العمرانية وتصدير العقار، هي المفتاح لفهم هذا الزخم. ففي هذا الاجتماع، تم تأكيد ثلاثة محاور بالغة الأهمية كانت بمثابة طمأنة للسوق والمستثمرين على حد سواء.
أولًا، جاء التأكيد الصريح بأنه “لا توجد فقاعة عقارية في مصر”. هذه النقطة بالتحديد حاسمة؛ فناس كتير كانت بتقول إن فيه فقاعة وإن الأسعار هتفرقع في أي وقت، لكن التوضيح الرسمي ده بيطمن المستثمرين المحليين والأجانب أن السوق مبني على أسس قوية ومستدامة. ثانيًا، تم التشديد على أن القطاع العقاري يتمتع “بالقوة والاستمرارية”، وهي رسالة تعزز الثقة في قدرته على مواجهة التقلبات الاقتصادية والصمود في وجه التحديات. وثالثًا، لم يفت المجتمعون الإشارة إلى “ضرورة تعزيز التعاون بين الدولة والقطاع الخاص”، وهو ما يعد حجر الزاوية لأي تنمية مستدامة. فهل يعقل أن يتقدم قطاع حيوي بهذا الحجم دون تكاتف الجهود بين جميع الأطراف؟ بالطبع لا.
ولكن ما الذي يدفع هذا القطاع نحو الأمام، ويجعله عصيًا على التقلبات؟ الإجابة تكمن في جوهر السوق المصري نفسه: الطلب الحقيقي. المهندس طارق شكري أوضح أن هذا الطلب ليس شكليًا أو مدفوعًا بالمضاربات، بل هو “واقعي ومباشر”. دعونا نفكر قليلًا: مصر، بفضل الله، يزيد عدد سكانها عن 110 ملايين نسمة، وتستقبل سنويًا نحو 900 ألف زيجة. هل تتخيل حجم الطلب على الوحدات السكنية نتيجة لهذه الأرقام؟ كل زيجة جديدة تحتاج إلى بيت، وكل أسرة تنمو تحتاج إلى مساحة أكبر. هذا يعني أن هناك حاجة دائمة ومتجددة للسكن، وهو ما يجعل سوق العقارات دائم الحيوية. يعني مش كلام على ورق، لأ ده طلب حقيقي من الناس اللي محتاجة سكن.
ورغم كل هذه المؤشرات الإيجابية، لا يخلو المشهد من تحديات تحتاج إلى حلول عاجلة وابتكارية. فالمشكلة الأساسية التي تواجه هذا الطلب الحقيقي تتمثل في ارتفاع قيمة الأقساط على المشتري. فمع ارتفاع أسعار العقارات وتكاليف التمويل، يجد الكثيرون، خاصة من متوسطي الدخل، صعوبة بالغة في تحمل الأعباء المالية، حتى مع وجود الرغبة الشديدة في التملك. هذا الأمر قد يهدد استدامة حركة السوق على المدى الطويل إذا لم يتم إيجاد صيغ تمويلية مرنة وميسرة.
في الختام، يظهر القطاع العقاري المصري كقاطرة للاقتصاد، يمتلك مقومات قوية للنمو والاستمرارية، بدءًا من قفزات تصديرية مبهرة وصولًا إلى طلب داخلي حقيقي ومدفوع بديناميكية سكانية فريدة. الرسائل الطمأنينة من قيادات الدولة تزيده رسوخًا، والتركيز على التعاون بين القطاعين العام والخاص يفتح آفاقًا واسعة لحل المشكلات. ومع ذلك، تبقى تحديات التمويل وارتفاع الأقساط هي العقبة الكبرى التي تحتاج إلى معالجة جذرية ومبتكرة لضمان استمرارية هذا الزخم. فهل ستنجح غرفة التطوير العقاري بالتعاون مع الجهات الحكومية في إيجاد هذه الحلول التي تحافظ على حيوية السوق وتلبي احتياجات الملايين؟ هذا هو السؤال الذي يترقب الجميع إجابته، فمستقبل العقار في مصر لا يمثل مجرد أرقام اقتصادية، بل هو حلم السكن الآمن والمستقر لملايين الأسر.