في قلب الاقتصاد الرقمي المزدهر، حيث الأحلام تولد وتنمو على شاشات الهواتف، وحيث تنتعش التجارة الإلكترونية لتكون شريان حياة لآلاف الشباب ورواد الأعمال، كان هناك شبح يلوح في الأفق: شبح الضريبة التي قد تخنق طموحات هؤلاء. لكن يبدو أن حكمة القرار الحكومي قد تدخلت في الوقت المناسب، لتمنح هؤلاء فرصة لالتقاط الأنفاس. ففي خطوة لاقت ترحيبًا واسعًا، أعلنت إندونيسيا عن تأجيل تطبيق ضريبة الدخل على معاملات التجار عبر الإنترنت، لتوفر بذلك شريان حياة للشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة (MSMEs)، والتي تُعد العمود الفقري لأي اقتصاد صاعد.
جاء هذا القرار، الذي اتخذه وزير المالية بوربايا يودي ساديوى، ليشكل نقطة تحول إيجابية في المشهد الاقتصادي الإندونيسي. وقد سارع محمد ميسباخون، رئيس اللجنة الحادية عشرة بمجلس النواب الإندونيسي، إلى الترحيب بهذا الإجراء، مؤكدًا أنه يعكس حساسية الحكومة ووعيها العميق بالتحديات التي تواجه قطاع الأعمال في ظل مرحلة التعافي الاقتصادي. يا جماعة، بصراحة، دي خطوة واقعية جدًا وحكيمة، مينفعش نضغط على الناس والدنيا لسه بتلم نفسها.
فلنتخيل معًا مشهدًا اقتصاديًا يعج بالمشروعات الناشئة، التي تبذل قصارى جهدها لتثبيت أقدامها في سوق تنافسي. هل يعقل أن نثقل كاهلهم بعبء ضريبي إضافي وهم يكافحون للتعافي؟ يقول ميسباخون في تصريحات نقلتها وكالة أنباء “أنتارا” يوم الخميس الموافق الثاني من أكتوبر، إن هذا التأخير “سيوفر مساحة للتنفس للجهات الفاعلة في مجال الأعمال حتى لا تكون مثقلة عندما لا يتعافى الاقتصاد تمامًا”. هذه المساحة، وإن بدت بسيطة، قد تكون هي الفارق بين مشروع ينجح وآخر ينهار قبل أن يبدأ.
لكن الأمر لا يتعلق فقط بتخفيف العبء الحالي. فميسباخون يرى أن الهدف الأسمى من أي سياسة ضريبية رقمية يجب أن يتجاوز مجرد زيادة الإيرادات. إنها فرصة لبناء نظام ضريبي عصري، يعزز من الشفافية المالية، ويخلق عدالة حقيقية بين الأعمال التقليدية التي تعمل في المتاجر والأعمال الرقمية التي تزدهر عبر الإنترنت. يعني الموضوع مش مجرد تحصيل فلوس وخلاص، لأ ده رؤية أوسع وأعمق لتطوير المنظومة كلها.
ويضيف ميسباخون موضحًا هذه الرؤية: “من المهم تصميم السياسة الضريبية التي لا تقتل الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، مع ضمان أن تقدم شركات السوق الكبيرة مساهمة متناسبة”. وهذا يضعنا أمام تحدٍ حقيقي: كيف يمكننا تحقيق التوازن بين دعم صغار التجار وضمان مساهمة عادلة من عمالقة التجارة الإلكترونية؟ هل يمكن أن تكون الضريبة أداة للإنصاف لا للعرقلة؟ الإجابة تكمن في تصميم سياسة ذكية ومدروسة.
هذا التأخير، بحسب ميسباخون، ليس تراجعًا عن الإصلاحات، بل هو فرصة ثمينة لإعادة تنظيم النظام برمته. وقد أكد أن مجلس النواب، من خلال لجنته الحادية عشرة، سيشرف بشكل مكثف على استغلال الحكومة لهذه الفترة. وهذا يعني العمل على محاور أساسية تتضمن: تحقيق التكامل الفعال مع الأسواق الرقمية، وتبسيط الإجراءات الإدارية، والأهم من ذلك، التوعية الواضحة والشاملة للتجار حول كيفية تطبيق هذه الضريبة لاحقًا. بمعنى آخر، مش عايزين نضيّع الوقت ده، لازم نستغله صح عشان لما نيجي نطبق، الدنيا تبقى واضحة ومفيش لغط.
“التأخير لا يعني الانسحاب من الإصلاحات. بدلاً من ذلك، هذه فرصة للتأكد أنه عندما يتم سن القواعد لاحقاً، فإن كل شيء يسير بسلاسة وشفافية ويتم قبوله بشكل جيد من قبل الجهات الفاعلة في مجال الأعمال”، بهذه الكلمات يلخص ميسباخون جوهر هذه المرحلة. إنها دعوة للتخطيط السليم والحوار البناء.
ولهذا السبب، شجع ميسباخون الحكومة على الانخراط في حوار أكثر نشاطًا وفعالية مع جمعيات التجارة الإلكترونية ومجتمع الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. فالاستماع إلى صوت هؤلاء الذين سيتأثرون بالسياسة الضريبية هو مفتاح نجاحها. فإذا كان التواصل مفتوحًا وشفافًا، وإذا كانت خارطة الطريق واضحة للجميع، فإنه يعتقد أن هذه السياسة الضريبية الرقمية يمكن أن تُنفذ بسلاسة دون أن تعيق النمو الاقتصادي. بل على العكس، يمكن أن تتحول إلى أداة قوية لتحقيق العدالة المنشودة في هذا القطاع الحيوي.
في النهاية، يبدو أن إندونيسيا تضرب مثالاً يُحتذى به في كيفية التعامل مع تحديات الاقتصاد الرقمي. فبدلاً من الاندفاع في تطبيق سياسات قد تكون قاسية على الفئات الأضعف، اختارت الحكومة طريق الحكمة والمرونة، مانحةً نفسها ومجتمع الأعمال فرصة لإعادة التفكير والتنظيم. السؤال الآن ليس متى ستُطبق الضريبة، بل كيف ستُصمم لتكون عادلة وفعالة، وكيف ستدعم مسيرة النمو الاقتصادي، لا أن تصبح عائقًا أمامها. إنها دعوة للتأمل في دور السياسات الحكومية في بناء مستقبل اقتصادي مزدهر وعادل للجميع.