حسن محمود
تخيل أن جدران منزلك، أو منزل جارك، لا تهمس لك بحكايات الماضي الدافئة، بل تصيح في صمت بأنها على وشك الانهيار. هذا ليس مشهدًا دراميًا من فيلم، بل واقع مرير يواجهه الكثيرون في قلب القاهرة الصاخبة، حيث باتت العقارات الآيلة للسقوط شبحًا يهدد الأرواح ويسلب الطمأنينة. هل يمكن للمرء أن ينام قرير العين وهو يعلم أن سقف بيته قد يكون آخر ما يراه؟ أليست الأرواح أغلى ما نملك؟
في صباح يوم الثلاثاء الموافق الثالث والعشرين من سبتمبر لعام 2025، كان حي الشرابية العريق على موعد مع خطوة حاسمة نحو استعادة هذه الطمأنينة المفقودة. لم تكن مجرد حملة روتينية من تلك التي تمر مرور الكرام، بل كانت إعلانًا صريحًا بأن حياة الناس ليست أمرًا يمكن المساومة عليه. في هذا اليوم، بدأت آليات الهدم الثقيلة في عملها على عقار بعينه، بناء طالما شكل خطرًا محدقًا، وظل شاهداً صامتًا على تحديات السلامة الحضرية في قلب العاصمة.
العقار رقم 7، الواقع في شارع عبد الحليم العتموني، المتفرع من شارع محمد رزق بمنطقة أرض الحكر، لم يكن مجرد بناء قديم يهرم ببطء، بل كان أشبه بقنبلة موقوتة، تنتظر اللحظة المناسبة لتنفجر وتخلف وراءها مأساة لا تُحمد عقباها. حالته الإنشائية المتدهورة لم تترك مجالًا للشك أو التردد، فلقد صدر بحقه قرار إزالة لا رجعة فيه من الجهات المعنية. وده، يا جماعة، يعني بصراحة، إن الموضوع وصل لمرحلة الخطر الجسيم. القرار ده ما كانش رفاهية، كان ضرورة قصوى لحماية الناس اللي ساكنين حواليه أو حتى بيمروا من جنبه، لأنه في الآخر، إيه أهم من أمان الناس؟
تحت مظلة توجيهات السيد الدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة، الذي يشدد دائمًا على أهمية التواجد الميداني الفعال والمتابعة المستمرة لكافة التحديات العمرانية، وبناءً على تعليمات واضحة وصارمة من السيد الدكتور حسام الدين فوزي، نائب المحافظ للمنطقة الشمالية، تم تنظيم الحملة بدقة متناهية وترتيب محكم. لم يكن الأمر مجرد عمل فردي يعتمد على مبادرة شخصية، بل كان تجسيدًا لتنسيق محكم بين مختلف الأجهزة التنفيذية، ينم عن جدية والتزام لا يتزعزع.
قاد السيد الأستاذ وليد حسنين عبد المنعم، رئيس حي الشرابية، هذا الجهد الميداني بنفسه، محفزًا فريقه ومتابعًا أدق التفاصيل. لم يكن وحيدًا في هذه المهمة، بل اصطحب معه كوكبة من المسؤولين الذين يمثلون صلب العمل الأمني والتنفيذي: مأمور قسم شرطة الشرابية الذي يضمن حفظ الأمن والنظام، ورئيس مباحث الشرابية الذي يُعنى بالجانب الجنائي، بالإضافة إلى ممثلين عن إدارة المتابعة الميدانية وفريق الإشغالات بالحي، والذين كان لكل منهم دور أساسي ومحوري لضمان أن تتم العملية بأمان وفاعلية تامة، بعيدًا عن أي معوقات. بصراحة، العملية دي مش مجرد قرار على ورق، دي كانت خطة متكاملة بتحرك كل الأجهزة المعنية.
بعد الانتهاء من عملية الهدم المخطط لها، لم تتوقف جهود العمل عند هذا الحد. فالأجهزة المختصة تواصل الليل بالنهار في رفع الأنقاض المتراكمة وتأمين الموقع بشكل كامل، لضمان عودة الحياة إلى طبيعتها في أسرع وقت ممكن. الهدف ليس فقط إزالة الخطر الفوري الذي كان يمثله العقار، بل ضمان أن الطريق يُعاد فتحه بشكل كامل وآمن، وأن المنطقة تصبح آمنة تمامًا للمواطنين، خالية من أي مخلفات قد تعرقل الحركة أو تشكل خطرًا جديدًا. تخيل لو الأنقاض دي فضلت موجودة في الشارع، هتعمل مشاكل كتير وهتعرقل حركة الناس في الشوارع الضيقة، صح؟ عشان كده، الشغل ده بعد الهدم مهم أوي وبيكمل الصورة.
يؤكد رئيس حي الشرابية، السيد وليد حسنين، أن هذه الجهود ليست حوادث فردية معزولة، بل هي جزء لا يتجزأ من استراتيجية أوسع وأشمل تتبعها الأجهزة التنفيذية في محافظة القاهرة. فالتعامل الفوري والحاسم مع العقارات الآيلة للسقوط هو ترجمة حقيقية لتوجيهات القيادة السياسية ومحافظة القاهرة، التي تضع سلامة المواطن المصري وراحته على رأس أولوياتها القصوى. الهدف النهائي من كل هذه الحملات والجهود؟ توفير بيئة حضرية آمنة ومستقرة، حيث لا يشعر أحد بالخوف أو التهديد من منزله أو من حوله. يعني إحنا كمواطنين، المفروض إننا نحس بالأمان في بيوتنا وفي شوارعنا، وده اللي بيحاولوا يحققوه فعلاً.
قصة عقار الشرابية ليست مجرد خبر عابر عن هدم بناء قديم؛ إنها رسالة واضحة وقوية لكل من يعيش في هذه المدينة الصاخبة. رسالة تؤكد أن هناك عيونًا ساهرة تعمل بلا كلل أو ملل للحفاظ على أرواحنا وممتلكاتنا. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا: ألا يقع على عاتقنا، نحن كمواطنين، جزء لا يتجزأ من هذه المسؤولية الكبيرة؟ ألا يجب أن نكون شركاء فاعلين في الحفاظ على أمان مدينتنا، بالإبلاغ الفوري عن أي خطر محتمل، أو بالحرص على صيانة ما نملك من عقارات؟ فالمسؤولية في النهاية مشتركة، والهدف واحد لا يختلف عليه اثنان: مدينة آمنة، خالية من أشباح العقارات المتهالكة التي تسرق الأمان من قلوبنا. نتمنى إن كل حتة في مصر تكون كده، أمان وراحة بال للكل، عشان نقدر نعيش حياتنا واحنا مطمنين.
