رقصة البيتكوين على إيقاع الفيدرالي: صعودٌ حذر وترقب مصيري
في عالمٍ لا يعرف السكون، حيث تتقلب الثروات بلمح البصر وتتراقص الأرقام على شاشات المتداولين حول العالم، عادت العملات الرقمية لتشعل حماس المستثمرين من جديد، مدفوعةً هذه المرة بشعاع أمل خافت ينبع من قلب واشنطن العاصمة. هل هي مجرد انتعاشة عابرة في سوق يتسم بالجنون، أم إشارة على تحول كبير قادم في مسار هذه الأصول الرقمية؟
يوم الثلاثاء الماضي، شهدت العملة الرقمية الأكبر والأشهر، بيتكوين، قفزةً ملحوظة قاربت بها حاجز الـ 113 ألف دولار، لتتداول عند مستويات 112,937.93 دولار تحديداً، محققةً ارتفاعاً بنسبة 0.97%. هذا الارتفاع أعاد جزءاً من بريقها بعد فترة من التذبذب، وكأنه تنفس عميق قبل سباق جديد. مش بس كده، هذا الزخم الإيجابي امتد ليشمل عملات رقمية رئيسية أخرى. فإيثريوم، ثاني أكبر عملة مشفرة، صعدت بنسبة 0.4% لتصل إلى 4,361.32 دولار، بينما ارتفعت عملة XRP بنسبة 3.16% مسجلةً 3.01 دولار. ولم تقتصر المكاسب على الكبار فقط؛ فعملات مثل سولانا وكاردانو ودوجكوين شهدت ارتفاعات تراوحت بين 2% و4%، حتى عملة $TRUMP، التي تثير دائماً الجدل، زادت بنسبة 1.7%. هذه الانتعاشة الجماعية، التي أشاعت روح التفاؤل بين صفوف المستثمرين، لم تأتِ من فراغ. يا ترى إيه السر ورا المكاسب اللي جت فجأة دي؟
الجواب، وبكل بساطة، يكمن في واشنطن العاصمة، وتحديداً في أروقة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. المستثمرون، الذين يتابعون نبض الاقتصاد العالمي عن كثب، يضعون رهانات قوية على أن الفيدرالي سيتجه نحو خفض أسعار الفائدة في اجتماعه المرتقب الذي سيعقد يومي 16 و17 سبتمبر. يعني من الآخر كده، الناس بدأت تقول إن تكلفة الاقتراض هتقل، وده بيخلي المخاطرة والاستثمار في الأصول ذات العائد الأعلى، زي العملات الرقمية، أكثر جاذبية. فمع انخفاض أسعار الفائدة، يصبح الاحتفاظ بالمال في البنوك أقل ربحية، مما يدفع رؤوس الأموال للبحث عن فرص استثمارية أخرى، والعملات المشفرة غالباً ما تكون وجهة مفضلة للمغامرين.
تتجه الأنظار الآن نحو هذا الاجتماع الحاسم، وسط ترجيحات قوية بأن يشهد خفضاً لأسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس. ووفقاً لأداة “فيدووتش” الشهيرة، فإن احتمالات هذا الخفض تصل إلى 90.1%، ورغم وجود احتمالية ضعيفة لخفض أكبر بمقدار 50 نقطة أساس، إلا أن الرقم الأول هو الأكثر ترجيحاً. هذا التوقع القوي مدعوم بإشارات واضحة على تباطؤ ملحوظ في سوق العمل الأمريكي، وهو ما يمنح الفيدرالي مساحة أكبر لتخفيف سياسته النقدية المتشددة التي اتبعها لفترة طويلة لمكافحة التضخم.
إضافة إلى ذلك، تترقب الأسواق كلها بفارغ الصبر صدور بيانات التضخم الأمريكية لشهر أغسطس هذا الأسبوع. ليه كل الأهمية دي؟ لأن البيانات دي عامل حاسم في رسم ملامح السياسة النقدية للفترة المقبلة، خصوصاً مع مخاوف تصاعد ضغوط الأسعار بفعل السياسات التجارية والتحديات الجيوسياسية. إذا جاءت أرقام التضخم أقل من المتوقع، فذلك سيعزز من حجة خفض الفائدة، مما قد يصب في مصلحة العملات الرقمية بشكل أكبر.
لكن، هل كل هذا يعني أن الأمور وردية وأن سوق العملات الرقمية يسير بخطى ثابتة نحو مستقبل مشرق؟ طبعاً لأ. وسط كل هذه النشوة والانتعاش، تتعالى أصوات تحذيرية من محللين وخبراء اقتصاد، تشكك في استدامة هذا الانتعاش على المدى الطويل. لا تزال الأسواق متأثرة سلباً بتصاعد الشكوك حول العوائد المستقبلية لاستراتيجية الشركات الكبرى التي تواصل شراء البيتكوين بكميات ضخمة وتعتبرها جزءاً أساسياً من أصولها.
خذ مثلاً شركات مثل Strategy (المعروفة سابقاً بـ MicroStrategy) وMetaplanet Inc. شهدت أسهمهم تراجعاً ملحوظاً خلال الجلسات الأخيرة، رغم ارتفاع البيتكوين. المحللون بيشوفوا إن نموذج الاستثمار اللي بيعتمد بشكل كلي على ارتفاع سعر البيتكوين ده عامل زي اللي بيبني بيته على رمال متحركة. لماذا؟ لأن هذا النهج يجعل أسهم هذه الشركات أكثر عرضة للتقلبات الحادة والجنونية في سوق العملات المشفرة، ويقلل بشكل كبير من جاذبيتها للمستثمرين الذين يبحثون عن استقرار وعوائد مضمونة أكثر. هل من المعقول أن تصبح القيمة السوقية لشركة بأكملها رهينة لعملة رقمية متقلبة بطبيعتها؟ هذا سؤال مشروع ومهم يطرحه الكثير من خبراء الاقتصاد، ويثير قلق المساهمين والمستثمرين المحترفين.
في النهاية، يبدو أن سوق العملات الرقمية، رغم طابعه الثوري واللامركزي الذي يفتخر به ويحاول الترويج له، يجد نفسه مرتبطاً بشكل وثيق بالقرارات الكلاسيكية للبنوك المركزية الكبرى، وبخاصة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. إنها معادلة معقدة تجمع بين روح المغامرة الرقمية وحسابات السياسة النقدية التقليدية. المستثمر اللي عايز يكسب في السوق ده، لازم يبقى فاهم إن مش بس التكنولوجيا المبتكرة هي اللي بتحرك الأسعار، لأ دي كمان تصريحات مسؤول فيدرالي أو بيانات اقتصادية مهمة ممكن تقلب موازين السوق وتغير مساره في لحظة.
السؤال الأكبر الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستستمر العملات الرقمية في الرقص على إيقاع قرارات الفيدرالي؟ أم أنها ستجد يوماً طريقها لتحديد مسارها الخاص، بعيداً عن تأثيرات الاقتصاد الكلي التقليدي؟ وبينما يترقب الجميع اجتماع سبتمبر وبيانات التضخم، يبقى الدرس المستفاد واحداً وواضحاً: في عالم المال، حتى المستقبل الرقمي الذي يتحدث عنه الجميع، لا يزال يتأثر بخيوط الماضي الاقتصادي المتشابكة. فهل أنت مستعد لهذه الرحلة المتقلبة المليئة بالمفاجآت، أم تفضل البحث عن ملاذ أكثر أماناً في عالم يزداد تعقيداً؟