في عالمٍ تتسارع فيه نبضات التكنولوجيا بوتيرة غير مسبوقة، لم يعد الحديث عن الذكاء الاصطناعي مجرد رؤى مستقبلية أو صفحات من روايات الخيال العلمي، بل أصبح واقعاً ملموساً ينسج خيوطه في كل جانب من جوانب حياتنا اليومية. من تطبيقات الهواتف الذكية التي لا نفارقها إلى أنظمة إدارة المدن المعقدة، باتت خوارزمياته تحرك العالم من حولنا، وتُعيد تشكيل مفاهيم العمل والحياة والتواصل. لكن وراء هذه الواجهة المبهرة، يدور سباقٌ شرس على الهيمنة والنفوذ، سباق تضخ فيه المليارات وتتغير بسببه موازين القوى الدولية.

سباق المليارات: رهانات على مستقبل الكوكب

يا جماعة، لو بنتكلم عن فلوس، فاحنا هنا بنتكلم عن أرقام خيالية لدرجة إن العقل ممكن ما يستوعبهاش. عمالقة التكنولوجيا العالميون بيضخوا استثمارات مهولة في هذا القطاع، كأنهم بيراهنوا على مستقبل الكرة الأرضية بالكامل. يكفي أن نُشير إلى أن شركة مايكروسوفت وحدها استثمرت حوالي 14 مليار دولار في شركة “أوبن إيه آي” الرائدة، وهي خطوة تعكس ثقة عملاقة في قدرات الذكاء الاصطناعي ودوره المحوري في تشكيل الغد. لكن الأرقام لم تتوقف عند هذا الحد، بل تجاوزتها بكثير لتُرسم ملامح اقتصاد رقمي جديد.

شركة أوراكل، على سبيل المثال، خصصت استثمارات تقارب 330 مليار دولار في مجال الذكاء الاصطناعي، في حين أن ميتا، الشركة الأم لفيسبوك وإنستغرام، تخطط لإنفاق مبلغ فلكي يصل إلى 600 مليار دولار بحلول عام 2028. تخيلوا بس حجم الرؤية دي! ألا تدفعنا هذه الأرقام للتساؤل عن حجم الأهمية التي تُوليها هذه الكيانات للمستقبل الرقمي؟ بل إن هناك شراكات عملاقة، مثل تلك التي تجمع “سوفت بنك” و”أوراكل” و”أوبن إيه آي” في مشاريع مشتركة، تقترب قيمتها من نصف تريليون دولار. هذه الأرقام، بصراحة، بتخلي الواحد يفكر: إيه اللي بيحصل بالظبط؟ وفين ممكن يوصل بينا السباق ده؟

وحتى نكون في الصورة كاملة ونفهم المدى الحقيقي لهذا التحول، فإن تقديرات شركة “إنفيديا”، إحدى أبرز اللاعبين في مجال الرقائق الإلكترونية اللازمة لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي، تشير إلى أن الإنفاق العالمي على البنية التحتية لهذا القطاع قد يتجاوز 4 تريليونات دولار بحلول عام 2030. أربع تريليونات دولار! هذا ليس مجرد استثمار مالي، بل هو بناء عالم جديد حرفياً، عالمٌ تتشابك فيه التكنولوجيا مع النفوذ والسيطرة.

الذكاء الاصطناعي: وقود المستقبل ومحرك الثورات الصناعية

لكن القصة ليست مجرد أرقام تُضخ في شركات عملاقة؛ إنها موضوع أكبر بكثير وله أبعاد جيوسياسية عميقة. لفهم أبعاد المشهد هذا بشكلٍ أفضل، قدّم لنا استشاري التحول الرقمي والتطبيقات الصناعية، الأستاذ علاء الدين رجب، رؤية معمّقة خلال حديثه في برنامج “بزنس مع لبنى” على قناة “سكاي نيوز عربية”. بصراحة، كلامه ده فيه حتة حقيقة كبيرة أوي.

شبه رجب المشهد الحالي بالثورة الصناعية الأولى، تخيل كده! ففي القرن التاسع عشر، كانت تكنولوجيا البخار هي المفتاح الذي سيطر على مسارات التجارة والاستعمار، ومن امتلكها امتلك زمام القوة العالمية. واليوم، يرى علاء الدين أن التكنولوجيا قد أصبحت بديلاً عن الجغرافيا والسياسة، فالتحولات الراهنة ليست مجرد مسألة اقتصادية بحتة، بل هي جزء لا يتجزأ من صراع سياسي أوسع نطاقاً على الهيمنة والتحكم في البيانات. بيانات إيه؟ بياناتنا كلنا، وكل معلومة اتجمعت على مر السنين.

فبعد عقود من تراكم المعلومات الضخمة عبر مراكز البيانات التي تضم سجلات البشرية تقريباً، أصبح امتلاك هذه البنية التحتية الرقمية، جنبًا إلى جنب مع الخوارزميات والتطبيقات الذكية، معادلاً جديداً للقوة والنفوذ الدولي. وكأننا نعيش عصرًا جديدًا، عصرًا لا تُقاس فيه القوة بعدد الجيوش أو حجم الأراضي، بل بالقدرة على معالجة وتحليل البيانات وتطويعها لخدمة الأهداف الاستراتيجية. وقد لخص رجب هذا التحول ببراعة حين قال: “كما غيّرت ثورة البخار موازين القوى في القرن التاسع عشر، فإن الذكاء الاصطناعي اليوم يعيد صياغة السلطة عبر السيطرة على البيانات والأنظمة الذكية.” كلمة تختصر كتير، أليس كذلك؟

المملكة والإمارات تتصدران سباق الاستثمار الإقليمي

في قلب هذا السباق العالمي المحتدم على تقنيات المستقبل، تبرز دولتان عربيتان بشكل لافت للنظر، وهما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. أكد رجب أن هاتين الدولتين تتصدران سباق استثمارات الذكاء الاصطناعي على الصعيد الإقليمي، وهذا مش صدفة أبداً. فقد استفادتا من رؤى وطنية طموحة واستراتيجيات واضحة المعالم، تضع التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في صميم عملية التنمية الاقتصادية. يعني يا جماعة، الدول دي مش بس بتلحق بالركب، دي بتحاول تكون في المقدمة، وده دليل على بعد نظر وتخطيط استراتيجي حقيقي للمستقبل، يهدف إلى بناء اقتصاديات معرفية مستدامة.

تغيير الوظائف: بين الاختفاء والصعود

طبعاً، لما بنتكلم عن التكنولوجيا دي كلها وتأثيرها الهائل، ناس كتير بتبدأ تقلق على وظايفها، وبتقول: طب وإحنا شغلنا هيختفي؟ الإجابة مش بالبساطة دي خالص. التطورات التكنولوجية الضخمة هذه لا تعني بالضرورة اختفاء الصناعات بالكامل، بل تعني إعادة تشكيلها جذرياً وتكييفها مع المتطلبات الجديدة.

الأستاذ علاء الدين قدّم مثالاً حيّاً يوضح الفكرة دي بوضوح، وهو القطاع المصرفي. زمان، كنا بنشوف فروع البنوك في كل مكان وموظفين كتير بيتعاملوا مع العملاء بشكل مباشر. الخدمات المصرفية لم تختفِ، لكنها انتقلت بالكامل تقريباً إلى هواتفنا الذكية وتطبيقاتنا الرقمية. والموظفون الذين كانوا يعملون في الفروع التقليدية؟ هؤلاء تحولوا إلى متخصصين في الأمن السيبراني وخدمة العملاء الرقمية، وهو ما يتطلب مهارات مختلفة تماماً. كأننا بنغير جلد الاقتصاد، مش بنلغي حياته خالص.

فالخلاصة إن كلمة “الاختفاء” هنا معناها عملياً استبدال العمالة التقليدية بمهارات جديدة، مهارات عندها القدرة تتعامل مع الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته. وهذا التحول يخلق فرص عمل ضخمة في قطاعات معينة، تحتاج إلى مهارات حاسمة ومحددة. على سبيل المثال، التحليل العميق للبيانات، وعلوم الأمن السيبراني، والتعلم العميق، والبرمجة المتقدمة. هذه هي المجالات التي سيكون عليها طلب غير عادي في المستقبل القريب، وستشكل الركائز الأساسية لسوق العمل الجديد.

شباب عربي على مفترق طرق

في خضم هذه التحولات الجذرية، يقف الشباب العربي، في تقدير الأستاذ علاء الدين رجب، أمام لحظة مفصلية في تاريخهم. اللحظة دي مش مجرد تحدي، دي فرصة ذهبية. إما أن يصبحوا جزءاً فاعلاً من هذه الثورة التكنولوجية، ويتعلموا المهارات الجديدة التي ستمكنهم من قيادة المستقبل والمساهمة في بنائه، أو يواجهوا خطر التهميش في سوق العمل المستقبلي الذي يتشكل الآن قدام عينينا.

فهل سنكون مجرد متفرجين، نرى العالم يتغير من حولنا بينما نظل مكاننا؟ أم سنغتنم هذه الفرصة التاريخية لنكون بناة وصناعاً لهذا العصر الرقمي الجديد؟ المستقبل مش بيستنى حد، والمطلوب من كل واحد فينا إنه يفكر بجدية: أنا فين من كل ده؟ وإزاي أكون جزء من الصورة الكبيرة دي؟ الإجابة على هذه الأسئلة هي التي ستحدد مصير أجيال كاملة في عالم أصبح الذكاء الاصطناعي فيه هو المحرك الأساسي لكل شيء، وهو مفتاح النفوذ والقوة في القرن الحادي والعشرين.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.