تسببت الاستثمارات المجمدة لرجل الأعمال نجيب ساويرس في كوريا الشمالية في تعميق خسائر شركته أوراسكوم للاستثمار القابضة، والتي سجلت صافي خسائر بقيمة 909 ملايين جنيه خلال عام 2024، في نتيجة تُعد الأثقل منذ سنوات، مدفوعة أساسًا بتآكل الأصول وتكلفة تمويلية مرتفعة مرتبطة بذراعها الكورية “كوريولينك”.
وشكل بند “اضمحلال الأصول المالية” المتعلقة بالنقدية المحتجزة في كوريا الشمالية نحو ثلثي هذه الخسائر، بإجمالي 593 مليون جنيه، في ظل استمرار تعذر تحويل هذه السيولة إلى الخارج بسبب الحظر الدولي وسعر الصرف غير الرسم، كما سجلت الشركة تكاليف تمويلية بقيمة 234 مليون جنيه مرتبطة بقرض كوريولينك، فضلًا عن خسائر إعادة تقييم فروق العملة التي بلغت 392 مليون جنيه، ما ضاعف الأثر السلبي على القوائم المالية.
بدأت مغامرة “ساويرس” في بيونج يانج عام 2008 عندما قرر ضخ 250 مليون دولار لتأسيس أول شبكة اتصالات محمول في كوريا الشمالية، تحت اسم “كوريولينك”، بالإضافة إلى استثمارات في فندق ومرافق خدمية، في خطوة كانت الأولى من نوعها لمستثمر أجنبي في قطاع حساس بالدولة المنغلقة، لكن بعد سنوات قليلة بدأت التحديات تتراكم، مع قيام الحكومة الكورية بإطلاق مشغل حكومي منافس مملوك لها بالكامل، ما قلص تدريجيًا من الحصة السوقية للشركة المشتركة.
وسعت أوراسكوم لاحقًا إلى الخروج من المأزق عبر اقتراح اندماج كوريولينك مع المشغل الحكومي، في محاولة لتوحيد الموارد التشغيلية واستعادة السيطرة الجزئية، لكن المفاوضات توقفت بسبب رفض الجانب الكوري منح حق الإدارة للشريك الأجنبي، كما تم التوصل لاحقًا إلى اتفاق مبدئي لتقسيم قاعدة العملاء وتحويل الأرصدة إلى اليورو بالسعر الموازي، لكن هذا الاتفاق ظل حبرًا على ورق بفعل ضغط العقوبات الدولية المتصاعدة.
وفي ظل تصاعد العقوبات الدولية وتقييد حركة رؤوس الأموال، اضطر “ساويرس” في عام 2015 إلى تعديل المعالجة المحاسبية لحصته في كوريولينك من “شركة تابعة” إلى “شركة شقيقة”، معترفًا بفقدانه القدرة على السيطرة التشغيلية والإدارية، بعد أن بات غير قادر على التدخل في القرارات الاستراتيجية للشركة أو تحويل أرباحها.
ذروة الأزمة جاءت بعد إصدار مجلس الأمن في سبتمبر 2017 قرارًا بحظر أي شراكات تجارية أو استثمارية مع كوريا الشمالية، ما لم تكن هناك موافقة صريحة من اللجنة المعنية التابعة للأمم المتحدة، تقدمت أوراسكوم بالفعل بطلب رسمي للاستثناء من القرار، عبر القنوات الدبلوماسية المصرية، لكن حالة الجمود ما تزال مستمرة حتى اليوم.
ومع تزايد عزلة كوريا الشمالية، أصبح الوصول إلى الأصول النقدية لدى كوريولينك غير ممكن فعليًا، فالشركة لم تتمكن من استيراد مستلزمات التشغيل، كما حُظر عليها تصدير أي أرباح، وأصبح التعامل بسعر الصرف الرسمي للدولة غير واقعي مقارنة بالسعر الموازي المعتمد في السوق الداخلية، وفي عام 2022، تعرّضت مساهمة “ساويرس” لضربة جديدة بعدما خُفضت حصته في كوريولينك من 75% إلى 60% بسبب زيادة رأسمالية اكتتبت فيها الحكومة الكورية منفردة عبر شركة KPTC المملوكة لها.
رغم كل هذه التحديات، أعلنت أوراسكوم تحقيق أرباح محدودة قدرها 104 ملايين جنيه من كوريولينك، لكنها لم تسجلها ضمن الإيرادات بسبب حالة عدم اليقين المحيطة بالإفراج عن هذه الأموال أو تحويلها.