في كل بيت مصري، وعلى كل قهوة، وفي كل حديث عابر، الاقتصاد دايماً حاضر. تساؤلات كتير بتطرح نفسها: يا ترى إحنا رايحين على فين؟ هل الأيام اللي جاية أفضل ولا التحديات لسه هتفضل تضغط علينا؟ وسط دوامة التكهنات دي، بيظهر خبراء الاقتصاد عشان يفكوا رموز الصورة، ويقدموا لنا قراءة معمقة بعيداً عن التشاؤم المبالغ فيه أو التفاؤل غير المبرر. مؤخراً، كان الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي المعروف، ضيفاً على الإعلامي أحمد سالم في برنامج “كلمة أخيرة” على قناة “ON”، ليقدم رؤية شاملة لمستقبل الاقتصاد المصري، مؤكداً أننا على أعتاب مرحلة جديدة، لكنها محفوفة بتحديات ضخمة، أبرزها “الديْن العام”.

الدكتور الإدريسي لم يتناول الأمور بسطحية، بل بدأ حديثه بتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة المنتشرة. أشار إلى أن تصريحات خبراء آخرين، ومنهم الدكتور محمود محيي الدين، قد تم اجتزاءها من سياقها الأصلي. يعني بالمختصر المفيد، الكلام بيتاخد حتت حتت، وده بيعمل صورة مش كاملة وممكن يضلل الرأي العام. هو أكد إن التقييم الحقيقي لأي مرحلة مستقبلية، بخاصة تلك التي تلي برامج الإصلاح مثل برنامج صندوق النقد الدولي، يجب أن ينبع من قراءة متأنية وشاملة لكل ما تحقق من إنجازات وما واجهنا من صعوبات خلال السنوات الماضية. مش هينفع نبص لقدام من غير ما نعرف إحنا جينا منين وإيه اللي اتعمل.

ولإضفاء بعض التفاؤل المبني على حقائق ملموسة، لفت الدكتور الإدريسي إلى تحسن بعض المؤشرات الكلية. مين فينا ما بيشتكيش من التضخم وارتفاع الأسعار؟ خبر كويس، إن معدل التضخم في مصر شهد تراجعاً ملحوظاً، حيث انخفض من 13% إلى 11% في أغسطس الماضي. يمكن الرقم ده لسه مش هو اللي بنحلم بيه كلنا عشان الأسعار تبقى معقولة أكتر، لكنه، على حد وصفه، “رقم جيد” مقارنة بما شهدناه من موجات تضخم حادة في السنوات الأخيرة. هذا التراجع يعد مؤشراً مهماً يعكس أن الجهود المبذولة بدأت تجني ثمارها في تثبيت الأسعار إلى حد ما، وهو ما يمهد لمزيد من الاستقرار.

طيب، وإيه كمان من الأخبار الحلوة اللي تستحق الاحتفال؟ الدكتور الإدريسي فتح ملف مصادر الدخل الدولاري، وهو ملف حيوي ومهم لأي اقتصاد يسعى للنمو والاستقرار. خلال العشر سنوات الأخيرة، أظهر الاقتصاد المصري قدرة لافتة على تنويع وزيادة إيراداته من العملة الصعبة. تخيلوا، الحصيلة الإجمالية ارتفعت من 54 مليار دولار في 2015 لتصل إلى نحو 120 مليار دولار متوقعة هذا العام! ده تقريباً أكتر من الضعف في عقد واحد من الزمان، وده إنجاز مش قليل، معناه إن مصر بقت بتجيب دولارات أكتر بكتير، وده طبعاً بيقوي موقفنا الاقتصادي وبيخلينا نقدر نلبي احتياجاتنا من الاستيراد ونحقق مشاريع أكبر وأهم.

ولتعميق هذه النقطة، قدم الدكتور الإدريسي تفاصيل أكثر عن هذه الطفرة في مصادر العملة الصعبة: الصادرات المصرية، على سبيل المثال، قفزت من 21 مليار دولار إلى 49 مليار دولار، وهو ما يعني أن منتجاتنا المحلية أصبحت تنافس بقوة في الأسواق العالمية. أما عوائد السياحة، فقد تضاعفت أكثر من أربع مرات لتصل إلى 18 مليار دولار، وهي شهادة على أن مصر لا تزال وجهة مفضلة للسياح من حول العالم، ما يوفر فرص عمل ودخلاً كبيراً للعديد من القطاعات. كما ارتفعت تحويلات المصريين العاملين بالخارج من 17 مليار دولار إلى 36 مليار دولار، وهي الفلوس اللي أهلنا اللي عايشين بره بيبعتوها لدعم أسرهم في مصر، وده بيعكس ثقتهم المتزايدة في الجهاز المصرفي واستقرار السياسات الاقتصادية. إيه اللي يخلي واحد يبعت تحويشة عمره لبلده لو مش مطمن إنها في أمان؟ حتى الاستثمارات الأجنبية المباشرة تضاعفت من 6.9 مليار دولار إلى 12 مليار دولار، وهذا حدث رغم التحديات التي أثرت على قناة السويس مؤخراً. هذه الأموال الضخمة التي تأتي من شركات أجنبية تستثمر في مصر تساهم في بناء المصانع وتوفير فرص العمل. كل هذه المؤشرات مجتمعة توضح أننا نسير في الاتجاه الصحيح لتنويع مصادر الدخل الدولاري، ولو استمرت المعدلات دي في النمو، الاقتصاد المصري سيتمكن من الانتقال لمرحلة أفضل بكتير، وده كلام يطمن ناس كتير كانت قلقانة.

لكن، هل الصورة كلها وردية كده؟ الإدريسي لم يغفل عن “الفيل اللي قاعد في الأوضة”، وهو الدين العام. هذه هي العقدة الأكبر، والتحدي الذي يلقي بظلاله على كل هذه الإنجازات المذكورة. الأرقام هنا مهولة: الدين الداخلي بلغ 10 تريليونات جنيه مصري، بينما وصل الدين الخارجي إلى 156 مليار دولار أمريكي. يا ترى كام ترليون جنيه وكام مليار دولار دول؟ أرقام خيالية، صح؟ هذا يوضح حجم المسؤولية الضخمة التي تقع على عاتق الدولة في إدارة هذه الديون.

المشكلة ليست فقط في حجم الدين، بل تكمن المشكلة الأكبر في “أقساط خدمة الدين”؛ أي الفوائد والأقساط التي يجب سدادها بانتظام. الإدريسي أوضح أن هذه الأقساط تمثل عبئاً أساسياً على الموازنة العامة للدولة، وتلتهم جانباً كبيراً من الإيرادات. تقدر تقول إن جزء كبير من الفلوس اللي بتدخل الدولة، سواء من الضرائب أو الرسوم أو حتى من إيرادات قناة السويس والسياحة، بتروح عشان نسدد الفوايد دي. وهذا طبعاً يقلل من القدرة على الإنفاق على قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، أو حتى عمل مشاريع تنموية جديدة يمكن أن تعود بالنفع المباشر على المواطنين.

طيب، إيه المخرج من الأزمة دي وإزاي ممكن نخفف هذا العبء؟ الدكتور الإدريسي قدم وصفة واضحة ومباشرة: خفض أسعار الفائدة والتضخم يمثلان مفتاحاً أساسياً لتخفيف عبء الدين. هو بيقول إن كل انخفاض بنسبة 1% في أسعار الفائدة يقلل الدين الحكومي بما لا يقل عن 100 مليار جنيه! متخيلين الرقم؟ يعني لو البنك المركزي والمؤسسات الاقتصادية قدرت تخفض الفايدة خطوة بخطوة، ده هيوفر على الخزانة العامة مبالغ ضخمة جداً، والتي يمكن ساعتها أن تتوجه لخدمة المواطن بشكل مباشر أو للاستثمار في مشروعات تنموية حقيقية. هذا يفسر لماذا تسعى الدولة بكل الطرق للسيطرة على التضخم وخفض الفائدة.

في الختام، يبدو أن الاقتصاد المصري يقف عند مفترق طرق حاسم. الحكومة، حسب تأكيدات الإدريسي، بدأت بالفعل في وضع رؤية لمرحلة ما بعد برنامج صندوق النقد الدولي، وهو ما يشير إلى تخطيط استراتيجي لمستقبل أفضل. السؤال الذي يطرح نفسه لينا كأفراد: إيه معنى كل الأرقام دي بالنسبة لحياتنا اليومية؟ ببساطة، لما الاقتصاد بيكبر وبيكون مستقر، ده بيترجم لفرص عمل أكتر، أسعار مستقرة بشكل أكبر، وخدمات أفضل وأجود للمواطنين. التحدي كبير، لكن الإمكانيات أكبر، وطموحاتنا في مستقبل مزدهر تستحق كل جهد.

إن كانت الأرقام تشير إلى تحسن ملحوظ في بعض الجوانب، إلا أن عبء الدين العام يظل سيفاً مسلطاً يتطلب إدارة حكيمة وجهوداً متضافرة من الجميع. تصريحات الدكتور الإدريسي لا تدعو للتقاعس أو للتشاؤم، بل هي دعوة للتفكير الموضوعي، والنظر بعمق إلى الصورة الكاملة بكل إيجابياتها وتحدياتها. إنها تذكرة بأن مسيرة البناء الاقتصادي مستمرة، وأن الأمل في غد أفضل ليس مجرد حلم بعيد، بل هو واقع يمكن تحقيقه بالعمل الجاد، والخطط المدروسة، وبمشاركة كل فرد في هذا الوطن الذي يستحق منا الأفضل. يعني، كل واحد فينا ليه دور في الحكاية دي، وكل خطوة بنمشيها بتفرق.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.