مَن منا لم يحلم ببيتٍ يأويه، زاوية دافئة تُطوى فيها هموم اليوم، ومساحةٌ تُبنى فيها ذكريات الغد؟ هذا الحلم، الذي يُعدّ حجر الزاوية في استقرار أي أسرة، يظلّ أولوية قصوى لكثيرين، وتعمل الدولة جاهدة لتحقيقه على أوسع نطاق. وفي إطار هذه الجهود المستمرة، شهدت مدينة أكتوبر الجديدة مؤخرًا زيارةً تفقدية رفيعة المستوى لمشروع الإسكان المتوسط “ديارنا”، حيث تركزت الأنظار على ضمان أن تكون هذه الأحلام على وشك أن تصبح واقعًا ملموسًا، بأعلى معايير الجودة والتميز.
كان المهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، في قلب الحدث، حيث تابع عن كثب سير العمل والموقف التنفيذي للمشروع. لم تكن هذه الزيارة مجرد مرور عابر، بل كانت جولةٌ تفتيشية حاسمة، شدّد خلالها الوزير على ضرورة رفع معدلات التنفيذ بشكل غير مسبوق، مؤكدًا على أهمية المتابعة الميدانية الدائمة لكافة الأعمال الإنشائية في مختلف المدن. وكما يُقال بالعامية، “الوزير كان عايز يتأكد بنفسه إن الشغل ماشي زي ما الكتاب بيقول، ومفيش أي تراخي”، فالمطلوب ليس فقط التسليم في المواعيد المحددة، بل الالتزام التام بالمواصفات القياسية في جميع مراحل البناء، وهذا هو مربط الفرس لضمان خروج المشروعات بالشكل اللائق الذي يلبي احتياجات المواطنين وتطلعاتهم.
بيان الوزارة أكد على رؤية الدولة الواضحة وغير القابلة للمساومة: توفير سكن ملائم وعالي الجودة لمختلف شرائح المجتمع. فالأمر لا يقتصر على مجرد توفير أربع حوائط وسقف، بل يمتد ليشمل تعزيز مفاهيم الاستدامة وتنوع أنماط الإسكان. لماذا؟ لأن الهدف الأسمى هو تحقيق رؤية الدولة الطموحة في تحسين جودة الحياة، والحفاظ على مواردنا الثمينة للأجيال القادمة. بمعنى أصح، “الدولة مش بتبني بيوت وخلاص، دي بتبني مستقبل ومدن كاملة بتعيش وتكبر مع الناس”. هذا التوجه يعكس فهمًا عميقًا بأن السكن ليس مجرد مأوى، بل هو جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والاقتصادي لأي مجتمع مزدهر.
في تفاصيل الجولة، لم يكن الوزير وحده من تولى مهمة المتابعة الدقيقة. فقد انضم إليه الدكتور عبد الخالق إبراهيم، مساعد وزير الإسكان، والمهندس عمار مندور، نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لقطاع التنمية والإنشاءات، بالإضافة إلى فريق من وحدة الدعم الفني بالوزارة. لقد كانت زيارة شاملة، شملت مواقع المشروع حيث يجري حاليًا تنفيذ 494 وحدة سكنية ضمن المرحلة الراهنة. تخيل معي هذا العدد، قرابة خمسمائة أسرة ستجد لها ملاذًا آمنًا في هذه الوحدات!
ركزت الجولة على مراجعة الأعمال المنفذة بدقة متناهية، ومقارنتها بالتصميمات الهندسية المعتمدة. فالكفاءة لا تكمن فقط في السرعة، بل في المطابقة الدقيقة للمخططات والجودة النهائية. وشملت المعاينة التشطيبات الداخلية والخارجية على حد سواء، وكأنهم يجهزون لوحات فنية، لا مجرد مبانٍ. وقد تم تفقد وحدة سكنية مؤثثة كنموذج كامل التشطيب، مكونة من ثلاث غرف، ووحدة أخرى مكونة من غرفتين. “تفتكروا ليه عملوا كده؟” ببساطة، ليعرضوا للمواطن كيف ستبدو حياته داخل هذا البيت، وما هي المواد المستخدمة، وكيف تتناغم الألوان والتصاميم. وقد جرى اختيار خامات وألوان تتناسب ببراعة مع الطابع المعماري للمشروع ومع التطلعات العصرية للحاجزين، مع متابعة أعمال مداخل العمارات والوحدات السكنية بعناية فائقة، فالبداية الجميلة تترك انطباعًا يدوم.
الحديث عن “ديارنا” ليس مجرد خبر عابر، بل هو نافذة على رؤية أوسع تتبناها الدولة المصرية. فمشروعات الإسكان المتوسط تأتي لتسد فجوة هامة في سوق العقارات، مقدمةً حلولاً عملية لأصحاب الدخل المتوسط الذين يجدون صعوبة في تحمل تكاليف الإسكان الفاخر، أو لا تتناسب ظروفهم مع شروط الإسكان الاجتماعي. إنه استثمار في رأس المال البشري، وفي الاستقرار الاجتماعي الذي ينعكس إيجابًا على عجلة الاقتصاد الوطني. هذه المدن الجديدة، مثل أكتوبر الجديدة، ليست مجرد كتل خرسانية، بل هي شرايين حياة جديدة، تمدّ مصر بفرص للنمو والتوسع خارج الوادي الضيق، مع مراعاة البنية التحتية المتكاملة والخدمات الضرورية التي تجعل العيش فيها أمرًا مريحًا ومرغوبًا.
في الختام، تبقى العبارة الأهم هي “سكن ملائم عالي الجودة”. هذا ليس شعارًا يُرفع، بل هو التزام حقيقي تسعى الدولة لتطبيقه على الأرض. فهل ستستمر هذه المتابعة الحثيثة بنفس الزخم؟ وهل سيشعر كل مواطن يحلم ببيتٍ أن دوره سيأتي في تحقيق هذا الحلم؟ “يا رب، نكون دايمًا على قدر المسئولية، والناس تلاقي اللي تستاهله”. إن النجاح في هذه المشروعات لا يُقاس فقط بعدد الوحدات التي يتم تسليمها، بل بمدى الرضا والسعادة التي يشعر بها قاطنو هذه المنازل. ففي نهاية المطاف، السكن هو أساس العمران، والعمران هو أساس التنمية، والتنمية هي المحرك الحقيقي لنهضة الأوطان.