هل تتخيل أن اقتصاداً كان يُصنف لسنوات كقاطرة في المنطقة، قادراً على جذب المليارات من الاستثمارات العالمية والارتقاء بمستوى المعيشة، يمكن أن يجد نفسه فجأة على حافة الهاوية؟ هي ليست مجرد فرضية نظرية، بل واقع مرير يصف المشهد الاقتصادي لإسرائيل، الذي يتأرجح الآن تحت وطأة تحديات لم يشهد لها مثيلاً منذ عقود.

في خضم التوترات الراهنة التي تعصف بالمنطقة، خرج علينا صوت اقتصادي خبير ليقدم رؤية صادمة، لكنها مبنية على تحليل عميق ومؤشرات واقعية. الدكتور نصر الكريم، أستاذ العلوم الاقتصادية بالجامعة العربية الأمريكية، لم يتردد في التعبير عن قلقه البالغ، مؤكداً أن الاقتصاد الإسرائيلي يمر حالياً “بأخطر مراحله”، وأنه يعاني من “تصدعات كبيرة” باتت واضحة للعيان. هذه التصريحات القوية جاءت خلال مداخلة هامة له ضمن برنامج “كلمة أخيرة”، الذي يقدمه الإعلامي أحمد سالم عبر قناة “ON”، لتلفت الأنظار إلى أبعاد الأزمة التي قد تتجاوز ساحات القتال.

يعني بصراحة، لما تسمع كلام من خبير بالشكل ده، الموضوع بيكون أكبر بكتير من مجرد أرقام بنشوفها في نشرات الأخبار. الحرب المستمرة في غزة، ليست مجرد نزاع عسكري، بل هي استنزاف هائل للموارد على جميع المستويات. يشير الدكتور الكريم إلى أن هذه الحرب قد استنزفت موارد الاحتلال “بشكل غير مسبوق”. فكر فيها للحظة: ميزانيات ضخمة توجه للعمليات العسكرية، تعويضات للأسر المتضررة، دعم البنية التحتية، وحتى تكاليف النزوح الداخلي للمواطنين. كل هذا يمثل عبئاً اقتصادياً هائلاً، يؤدي بالضرورة إلى إضعاف القدرة المالية للدولة.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد. فنتيجة لهذا الاستنزاف المستمر، بدأت عجلات الاقتصاد تدور في الاتجاه المعاكس. أحد أخطر تداعيات أي صراع هو نزوح الاستثمارات؛ فقد أشارت التحليلات إلى أن رؤوس الأموال الأجنبية بدأت بالفعل تغادر تل أبيب، بحثاً عن بيئات أكثر استقراراً وأماناً. هل يلام المستثمرون على ذلك؟ بالتأكيد لا، فالرأسمال بطبيعته جبان، ويبحث دائماً عن الأمان والعوائد المضمونة. وهذا بالطبع، يؤدي إلى تراجع حاد في ثقة الأسواق العالمية بالاقتصاد الإسرائيلي، ما يجعل عملية الاقتراض أكثر صعوبة وتكلفة، ويقلل من فرص جذب استثمارات جديدة ضرورية للنمو.

لكن ما يجعل الوضع أكثر تعقيداً هو الجانب الداخلي. على الرغم من كل هذه المؤشرات الاقتصادية السلبية التي تنذر بانهيار واسع النطاق، يرى الدكتور نصر الكريم أن الشعب الإسرائيلي “مازال ينساق وراء خطاب اليمين المتطرف”. يعني، كأن في نوع من الانفصال بين الواقع الاقتصادي المرير، والرواية السياسية المسيطرة. هذه الظاهرة ليست غريبة في أوقات الأزمات، حيث تتفوق المشاعر القومية أو الأمنية على المنطق الاقتصادي، ما يؤدي إلى استمرار سياسات قد تكون مكلفة للغاية على المدى الطويل.

يذكر الدكتور الكريم أن الاقتصاد الإسرائيلي قد تمكن خلال الثلاثين عاماً الماضية من استعادة مكانته وجذب استثمارات ضخمة ورؤوس أموال أجنبية، ليحقق ما يمكن وصفه بمعجزة اقتصادية في منطقة مضطربة. فهل يمكن لتلك المكتسبات الكبيرة، التي بنيت بجهد وعمل مستمرين على مدار ثلاثة عقود، أن تتبدد بهذه السرعة؟ للأسف، المؤشرات الراهنة تؤكد أن الاقتصاد يسير نحو ما يسميه الخبراء “السقوط الحر”. وهو تعبير لا يعني مجرد تباطؤ أو ركود، بل يشير إلى تدهور سريع وغير متحكم فيه، قد يصعب إيقافه بمجرد الوصول إليه. كأنك بتشوف طائرة بتفقد السيطرة وتنزل بسرعة رهيبة، ومن الصعب إن أي حد يوقفها في المنتصف.

هذه ليست مجرد تحذيرات عابرة، بل هي جرس إنذار يدق بقوة في أروقة الاقتصاد. “السقوط الحر” في عالم المال والأعمال يعني فقدان الثقة، تدهور العملة، ارتفاع التضخم، وشيوع البطالة، وصولاً إلى أزمات اجتماعية أعمق. هل سيتجاهل صناع القرار في إسرائيل هذه التحذيرات الخطيرة؟ وهل سيستمر خطاب اليمين المتطرف في قيادة سفينة الاقتصاد نحو المجهول، غير مبالٍ بالثمن الباهظ الذي سيدفعه المواطن العادي؟ هذه تساؤلات تفرض نفسها بقوة على المشهد.

في النهاية، هذه القصة ليست مجرد تقرير عن اقتصاد دولة بعيدة، بل هي تذكير مؤلم بأن الصراعات المسلحة لا تقتصر آثارها على الدمار البشري والمادي المباشر. إنها تمتد لتضرب أعماق الاقتصاد، لتفتت سنوات من الجهد والبناء، وتترك ظلالاً قاتمة على مستقبل الأجيال القادمة. فما نراه اليوم في الاقتصاد الإسرائيلي هو دليل آخر على أن ثمن الصراع دائماً ما يكون باهظاً، وأن الفاتورة النهائية لا تدفعها البنوك المركزية وحدها، بل يدفعها كل فرد في المجتمع.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.