هل تتأرجح أسعار العقارات صعوداً وهبوطاً مثل موجات البحر، تُربك المشتري والمستثمر على حد سواء؟ أم أن هناك منطقة آمنة، ملاذًا ثابتًا في قلب هذا التقلب؟ في صباح يوم الاثنين الموافق الثاني والعشرين من سبتمبر لعام 2025، ألقى المهندس عمرو سليمان، القامة العقارية المعروفة ومؤسس ورئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة “ماونتن فيو”، الضوء على هذا اللغز في لقاء تلفزيوني خاص، ليقدم لنا رؤية مغايرة ومطمئنة لمستقبل السوق العقاري المصري. كان حديثه بمثابة جرعة أمل، مؤكداً أن هذا السوق يتمتع بصلابة استثنائية تجعله بمنأى عن كثير من الأزمات العالمية.
ما الذي يمنح السوق المصري هذه المناعة الفريدة، يا ترى؟ يجيب سليمان بوضوح: المحرك الأساسي هنا ليس المضاربات أو الأصول المالية البحتة، بل هو “الطلب الحقيقي” الناتج عن الزيادة السكانية المتواصلة. تخيل معي، السوق ده مش مجرد أرقام بتطلع وتنزل على الشاشات، لأ ده بيوت بتتبني عشان ناس حقيقية تسكن فيها وتعيش! في مصر، العقار لا يُنظر إليه باعتباره أصلًا ماليًا فحسب، بل باعتباره حياة والتزامًا طويل الأجل. الأسر المصرية تسعى للتملك بغرض الاستقرار والأمان، وهذه أولويتها قبل أي مكاسب مادية قد تتحقق. هذه الخصوصية هي التي تمنح السوق المصري قوته ومتانته، وتبعده عن الهشاشة التي قد تصيب أسواقًا أخرى كثيرة.
لكن، هل كل الفترات واحدة في عالم العقارات؟ بالتأكيد لا. أوضح المهندس سليمان أن فترات الهدوء التي قد تمر بها الأسواق لا تمثل أزمة بقدر ما هي “اختبار حقيقي” للمستثمرين الجادين. هو ده الوقت اللي بيبان فيه مين اللي بيفهم السوق بجد ومين اللي بيجري ورا أي موجة. ومفاجأة، خلال هذه الفترات، ارتفعت مبيعات “ماونتن فيو” بنسبة 40%. هل هذا يشير إلى أن المستثمر الواعي فقط هو من يرى الفرص في أوقات الترقب؟ يبدو أن الطلب الحقيقي، الذي يبحث عن القيمة المستدامة، يظهر بقوة في أوقات يظنها البعض ركودًا، مبتعدًا عن أي مغامرات قصيرة الأجل أو مضاربات غير مدروسة.
لنفهم طبيعة السوق بشكل أعمق، أشار سليمان إلى أن النماذج العقارية العالمية غالباً ما تمر بدورة زمنية محددة، تعرف باسم “دورة السبع سنوات”. وهي ليست ظاهرة خاصة بدولة بعينها، بل تحدث في بلدان متقدمة وناشئة مثل مصر. تبدأ هذه الدورة بطلب طبيعي يستمر عادة من عامين إلى ثلاثة أعوام، يليها مرحلة توسع قد تمتد من ثلاثة إلى أربعة أعوام، حتى يصل السوق إلى نقطة يكون فيها المعروض أكبر من الطلب، فندخل في مرحلة فائض. ثم تأتي فترة ركود، قبل أن يعود الانتعاش من جديد لمدة عام أو عامين، لتكتمل الدورة في سبع سنوات تقريباً. يعني هي زي دورة الزراعة كده، الأرض بتتزرع وتتحصد وتاخد وقتها عشان ترجع تنتج تاني، مش ممكن تفضل طول الوقت في نفس المرحلة.
ولأن الاستثمار العقاري بطبيعته التزام طويل الأجل، نصح سليمان بشدة بالاعتماد على “الشركات الكبرى الراسخة” عند الشراء، خاصة في هذه المراحل. هل تريد أن تضع مدخرات عمرك في مشروع لا تعرف مصيره؟ بالطبع لا! فالعقار ليس مجرد جدران وأسقف، بل هو ثقة ومستقبل. وفي سياق متصل، فنّد سليمان ما يتردد بشأن المبالغة في أسعار الوحدات العقارية. مؤكداً أن الأرقام الرسمية تكشف حقيقة مختلفة تماماً. تكلفة البناء، على سبيل المثال، تتراوح بين 30% و40% من قيمة الوحدة، بينما تبلغ نسبة التسويق والمصاريف الإدارية حوالي 7% إلى 8%. أما متوسط هامش الربح، فهو لا يتجاوز 10%، طبقاً لبيانات منشورة رسمياً في البورصة. هذه الأرقام، كما يقول، تؤكد انضباطاً كبيراً في السوق بعيداً عن أي فقاعات سعرية.
وإذا كنا نتحدث عن الطلب، فقد شهد السوق تحولاً لافتاً في أنماط المشترين خلال السنوات الأخيرة. في السابق، كان المشترون بغرض السكن يشكلون 100% من السوق تقريباً. لكن اليوم، انخفضت هذه النسبة إلى حوالي 30% فقط. ما الذي حدث إذن؟ السوق لم يضعف، بل تنوع! أصبح لدينا الآن ثلاث شرائح رئيسية: بالطبع، المشترون بغرض السكن ما زالوا موجودين، لكن انضم إليهم بقوة “المستثمرون الباحثون عن بناء الثروة” عبر العقار، وهؤلاء يدركون قيمة الأصل على المدى الطويل. ولا ننسى “المصريين العاملين بالخارج” الذين تحولت مدخراتهم، التي بلغت نحو 40 مليار دولار سنوياً، إلى قوة شرائية هائلة. وأخيراً، هناك “طلب متزايد” من مواطني دول الخليج الذين يرغبون في التملك داخل مصر. يعني السوق فتح أبوابه لناس جديدة وفئات مختلفة، وده بيخلي قوته أكبر.
وفي ختام حديثه، وجه المهندس عمرو سليمان نصيحة ذهبية لكل من يفكر في الدخول إلى هذا العالم: “الاستثمار طويل الأجل في العقار يظل من أقوى وأكثر الاستثمارات أماناً.” حتى وإن مر بفترات هدوء أو تباطؤ، فإن قيمته تعود للارتفاع لاحقاً، وذلك ببساطة شديدة بسبب “ندرة هذا الأصل”. فكر فيها، الأرض لا تُصنع ولا تتجدد. إنها موجودة بكمية محدودة. وبالتالي، فإن امتلاك قطعة منها، أو وحدة عليها، هو امتلاك لثروة حقيقية تزداد قيمتها بمرور الزمن. هل هناك ضمان أفضل من ذلك في عالم اليوم المتغير؟ قد تكون الرؤية العقارية في مصر مختلفة، لكنها حتماً رؤية تستحق التأمل والثقة.