في عالم الاقتصاد الذي لا ينام، حيث تتراقص الأسعار وتتحرك المؤشرات بأقل إشارة، يبدو أن العملات المشفرة قد اعتادت أن تكون في صدارة المشهد. هل تتذكرون الأيام التي كانت فيها هذه الأصول الرقمية مجرد حديث همس بين قلة من الخبراء؟ اليوم، أصبحت محط أنظار الجميع، من المضاربين المخضرمين إلى المستثمرين المبتدئين، وكلهم يترقبون أي تغيير قد يلوح في الأفق. وفي هذا السياق، شهدت أسواق العملات المشفرة يوم الثلاثاء الماضي موجة من الارتفاعات التي أعادت الأمل لكثيرين، مع اقتراب البيتكوين، ملك العملات الرقمية، من عتبة لم يرها الكثيرون منذ فترة، متجاوزةً حاجز الـ 110 آلاف دولار بقليل.

هذا الصعود لم يكن مجرد صدفة أو “فش غل” كما يقول البعض في السوق، بل جاء مدفوعًا بترقب حذر ومكثف لما سيسفر عنه اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. فالسوق كله، وبلا استثناء، كان يحبس أنفاسه منتظرًا إشارات جديدة حول مسار أسعار الفائدة، والتي تعد المحرك الأساسي لأي سوق، وخاصة الأسواق التي تتسم بمخاطرها العالية وتقلباتها الحادة كالعملات المشفرة. كان خطاب رئيس البنك المركزي، السيد جيروم باول، هو الحدث الأبرز الذي ينتظره الجميع في وقت لاحق من نفس اليوم، وكأن كل كلمة منه قد ترسم مصير الملايين من الدولارات.

ولكي نكون أكثر دقة، فقد سجلت البيتكوين، والتي تعتبر القاطرة الرئيسية لسوق العملات المشفرة، ارتفاعًا ملحوظًا وصل إلى 0.59%، لتبلغ قيمتها 112,855 دولارًا أمريكيًا. ولكنها لم تكن الوحيدة التي استفاقت من سباتها. فقد لحقت بها “إيثريوم”، هذه العملة التي تعد العصب الأساسي لعديد من التطبيقات اللامركزية، مسجلةً قفزة قدرها 1.10% لتستقر عند 4194.58 دولار. ولم يتخلف عن الركب كل من “الريبل” و”دوجكوين”، حيث ارتفع الريبل بنسبة 0.97% ليصل إلى 2.8717 دولار، بينما صعدت “دوجكوين” بحوالي 0.97% كذلك، لتلامس 24.1 سنتًا. يعني بصراحة، أرقام زي دي بتدي إحساس إن فيه حاجة كويسة بتحصل، ولو بشكل مؤقت، في السوق ده اللي دايماً مفاجآته كتير.

ولكن لماذا كل هذا الاهتمام بأقوال الفيدرالي؟ ببساطة، قرارات أسعار الفائدة لها تأثير مباشر على تكلفة الاقتراض وعلى شهية المستثمرين للمخاطرة. فعندما ترتفع أسعار الفائدة، يصبح الاحتفاظ بالمال في الأصول التقليدية الأقل خطورة، مثل السندات، أكثر جاذبية، مما قد يدفع المستثمرين للابتعاد عن الأصول الأكثر تقلبًا كالعملات المشفرة. والعكس صحيح بالطبع. ولهذا السبب، كان تركيز المستثمرين هذا الأسبوع منصبًا بشكل خاص على بيانات التضخم المفضلة لدى الاحتياطي الفيدرالي، والتي تعتبر بوصلة البنك في تحديد مسار سياسته النقدية. فهذه البيانات، بطبيعتها، هي المؤشر الحاسم الذي قد يملي على البنك المركزي قراراته المستقبلية بشأن أسعار الفائدة، وبالتالي، على مصير الأسواق المالية العالمية.

في خضم هذا الترقب، ظهر صوت آخر من داخل أروقة الفيدرالي ليضيف طبقة جديدة من التعقيد للمشهد. فقد حذر ستيفن ميران، العضو الجديد في مجلس محافظي الفيدرالي، في تصريحاته يوم الاثنين، من مغبة عدم خفض أسعار الفائدة بشكل كبير. ميران أشار إلى أن التمسك بسياسة نقدية متشددة قد يعرض سوق العمل، وهو عصب الاقتصاد الأمريكي، لمخاطر محتملة. فهل نحن أمام انقسام داخل الفيدرالي حول السياسة النقدية المثلى؟ هذا التضارب في الآراء ليس بجديد، لكنه يلقي بظلاله على الأسواق، ويجعل المستثمرين في حيرة من أمرهم. وطبعاً، ناس كتير بدأت تقول، هو الفيدرالي هيعمل إيه بالظبط؟ هيسمع لمين فيهم؟

ما بين تفاؤل صاعد في أسواق العملات المشفرة وتحذيرات من صقور السياسة النقدية، يقف المستثمرون في مفترق طرق. فهل هذه الارتفاعات الحالية هي إيذان بموجة صعود جديدة مدعومة بآمال خفض الفائدة، أم أنها مجرد ارتداد مؤقت في بحر من التقلبات التي تعودنا عليها في عالم الكريبتو؟ تبقى الإجابة معلقة بخطاب باول، وببيانات التضخم القادمة، وبكل قرار يتخذه الفيدرالي. إنها حقًا لعبة شد وجذب بين قوى السوق وواضعي السياسات. ففي النهاية، الاقتصاد ليس مجرد أرقام، بل هو قرارات بشرية، وتطلعات، ومخاوف، تتشابك لتشكل لوحة فنية معقدة، تتطلب منا متابعة حثيثة وفهمًا عميقًا لكل تفاصيلها. فما قد يبدو مجرد ارتفاع بسيط اليوم، قد يكون المؤشر الأول لتغيرات كبرى تنتظرنا غدًا.

Leave a Comment

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.