في عالمٍ تتسارع فيه الأحداث وتتقلب الأسواق كأمواج البحر، يبرز الذهب دائمًا كنقطة ارتكاز، ملاذٍ آمن للكثيرين. لكن هل يظل هذا الملاذ محصنًا من التقلبات العنيفة؟ الأيام الأخيرة شهدت موجة صعود غير مسبوقة في أسعار المعدن الأصفر بمصر، أثارت تساؤلات ومخاوف، وجعلت الجميع يترقب شاشات البورصة العالمية بلهفة. هل ما يحدث مجرد فقاعة، أم أنه تحول حقيقي في ديناميكيات السوق؟

تلك هي الخلاصة التي قدمها الأستاذ هاني ميلاد، رئيس شعبة الذهب بالاتحاد العام للغرف التجارية، في تصريحاته الأخيرة التي ألقت الضوء على ما وصفه بـ”الارتفاعات القياسية” التي تشهدها أسعار الذهب في السوق المصري. وربما كان التصريح الأبرز والأكثر إثارة للتفكير هو تأكيده أن السبب الرئيسي وراء هذه القفزات الجنونية يعود بنسبة مهولة تصل إلى 95% إلى الزيادة المستمرة في الأسعار العالمية. يعني بصراحة كده، الحكاية كلها مش عندنا، أغلبها بره!

بالتفكير في هذه النسبة، ندرك حجم الارتباط والتأثر بالخارج. تخيل أن تسعة أعشار وخمسة أعشار من مصير استثماراتك في الذهب المحلي تُحددها عوامل لا تملك عليها أي سيطرة مباشرة. هذا وحده كافٍ ليوضح مدى حساسية السوق المصري تجاه أي حركة في البورصات الدولية. ميلاد لم يترك مجالًا للشك، فخلال مداخلته التلفزيونية في برنامج “اليوم” على شاشة “دي إم سي”، أوضح للإعلامية دينا عصمت أن مؤشرات البورصات العالمية، منذ بداية هذا الأسبوع، تُظهر زيادة يومية تتراوح بين 60 و70 دولارًا للأوقية الواحدة. هذه الأرقام، كما وصفها، هي التي انعكست بشكل مباشر وفوري على بورصة الذهب المحلية، دافعةً الأسعار إلى مستويات لم تشهدها من قبل.

هنا يطرح سؤالٌ جوهري: هل كل تراجع طفيف في الأسعار يعني نهاية موجة الصعود؟ يجيب رئيس شعبة الذهب بوضوح لا لبس فيه، أن ما يحدث من انخفاضات محدودة ومؤقتة لا يُعد هبوطًا حقيقيًا أو تحولًا جذريًا في المسار العام. بل هي مجرد “حركة تصحيحية” طبيعية ومنطقية في الأسواق العالمية. فلنفكر فيها بمنطق بسيط: هل يمكن لموجة أن ترتفع للأبد دون أن تنحدر قليلًا لتستمد قوة جديدة؟ هذا هو بالضبط ما يحدث في أسواق المال. الانخفاض الحقيقي، وفقًا لتحليل الخبراء، يُقاس عندما يفقد الذهب نحو 100 أو 200 دولار دفعة واحدة، وليس أقل من ذلك. هذا يعني أن أي هبوط في حدود بضعة دولارات يُعد جزءًا لا يتجزأ من ديناميكية الصعود، وليس مؤشرًا على تراجع مستدام.

الغريب، أو ربما المدهش، في هذا السياق هو أن الطلب المحلي لم يشهد ارتفاعًا كبيرًا بالقدر الذي يبرر هذه الزيادة الصاروخية في الأسعار. عادةً، عندما يرتفع الطلب على سلعة ما، تتجه أسعارها نحو الصعود. لكن في هذه الحالة، يبدو أن المحرك الرئيسي ليس القوة الشرائية الداخلية بقدر ما هو قوى خارجية عاتية. وهذا يعزز فكرة أن السوق المصري هو مجرد مرآة تعكس ما يجري في الخارج، لا مُحرِّكًا رئيسيًا له. هذا الارتباط الوثيق بالتغيرات الخارجية يجعل من الصعوبة بمكان التنبؤ بمسار الذهب دون متابعة حثيثة للأخبار الاقتصادية والسياسية العالمية.

بالحديث عن المستقبل، يتوقع ميلاد أن تشهد الفترة القادمة “مرحلة جني الأرباح” بعد هذه القفزات السعرية الأخيرة. ومرحلة جني الأرباح هذه تعني أن بعض المستثمرين الذين اشتروا الذهب بأسعار أقل، سيرون في المستويات الحالية فرصة لتحقيق مكاسب بيعية، مما قد يؤدي إلى عمليات بيع متزايدة في السوق. هل هذا يعني أن الأسعار ستنخفض بشكل حاد؟ ليس بالضرورة. لكنه قد يخفف من وتيرة الصعود السريع، أو حتى يسبب بعض التراجعات المحدودة التي قد تُعد فرصًا للمشترين الجدد.

في ظل هذه التقلبات، تأتي نصيحة هامة وموجهة للمواطنين من رئيس شعبة الذهب، يدعو فيها إلى عدم البيع إلا في حالة الضرورة الفعلية القصوى. لماذا؟ ببساطة، لأن الذهب يُعتبر استثمارًا طويل الأجل، وبيع الذهب في أوقات الذروة أو الذعر قد يفوت على المستثمر فرصًا مستقبلية أفضل. هذه النصيحة تأتي في سياق حرص الخبراء على حماية أموال المواطنين واستثماراتهم من قرارات متسرعة قد يندمون عليها لاحقًا. إن الحفاظ على الذهب يعني الحفاظ على قيمة المدخرات في وجه التضخم وتقلبات العملات، وهو ما يجعل منه ملاذًا آمنًا على المدى الطويل، حتى وإن شهد تقلبات عنيفة على المدى القصير.

في الختام، قد يبدو الأمر معقدًا بعض الشيء، لكنه في جوهره يذكرنا بحقيقة أساسية: أسواق المال تتنفس صعودًا وهبوطًا، والذهب، على الرغم من بريقه الدائم، ليس استثناءً. يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن للمواطن العادي أن يتخذ قراره الرشيد في خضم هذه الأمواج المتلاطمة؟ الإجابة تكمن في الوعي، والمتابعة، وعدم الانسياق وراء الشائعات أو قرارات اللحظة. فهل الذهب استثمار أم ملاذ؟ ربما هو كليهما، لكن بفهم عميق لديناميكياته، يمكن لكل مستثمر أن يجد طريقه بأمان في هذه الرحلة الذهبية المتغيرة.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.