يوم جديد، وحكاية جديدة في عالم العملات الرقمية الذي لا يهدأ أبدًا. ففي كل صباح تستيقظ فيه الأسواق العالمية، تظل عيون الملايين حول الكوكب معلّقة على شاشات التداول، ترقب ما ستؤول إليه رحلة هذه الأصول الرقمية المتقلبة. اليوم، الإثنين الموافق 22 سبتمبر 2025، لم يكن مختلفًا؛ فقد شهد هذا الفضاء المالي الرقمي تباينًا واضحًا بين عمالقته، في مشهد يعكس حالة من عدم اليقين المستمرة بعد فترة صعود قوية سيطرت على التداولات في الأسابيع الماضية. يا ترى إيه الحكاية بالظبط؟ وليه السوق دايماً على أعصابه؟

في قلب هذا المشهد المتأرجح، تصدرت عملتا “بيتكوين” و”إيثريوم”، وهما الأكبر من حيث القيمة السوقية، عناوين الأخبار بتحركات متباينة. فبينما أظهرت “بيتكوين” تراجعًا طفيفًا، كبدت “إيثريوم” مستثمريها خسائر أعمق، مما دفع المحللين إلى التساؤل عن العوامل الحقيقية الكامنة وراء هذه التقلبات، وإلى أي مدى يمكن ربطها بالمتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية. هل هي مجرد تصحيحات طبيعية، أم أن هناك رياحًا أقوى بدأت تعصف بهذا الفضاء الرقمي الشاسع؟

لنبدأ بالملكة، “بيتكوين”، التي اعتادت أن تكون ملاذًا آمنًا لبعض المستثمرين في الأوقات العصيبة. سجلت العملة الرقمية الرائدة تراجعًا بنسبة 1.1% فقط، لتستقر عند مستوى 114,376.30 دولار. وبصراحة، هذا الانخفاض يعتبر “ولا حاجة” بالنسبة لتاريخ البيتكوين المليء بالقفزات والانحدارات الحادة. ما يدل على ثباتها النسبي هو أن خسائرها الشهرية لم تتجاوز 1.3%، وهو مؤشر على مرونتها وقدرتها على الصمود في وجه التقلبات. تحتفظ “بيتكوين” بهيمنتها القوية على السوق، مسيطرة على حصة سوقية تبلغ 57.6%، وبقيمة إجمالية تجاوزت 2.28 تريليون دولار. يعني بالبلدي كده، هي لسه “الزعيم”.

ورغم الضغوط التنظيمية المكثفة التي تواجهها العملات الرقمية بصفة عامة، والتي تتطلب حذرًا دائمًا من جانب المستثمرين، حظيت “بيتكوين” بدعم إضافي ملحوظ. فقد أعلنت إحدى الشركات الاستثمارية الكبرى عن صفقة استحواذ بقيمة 60 مليون دولار، قامت خلالها باقتناء 525 وحدة من العملة. هذه الصفقة، في حد ذاتها، إشارة قوية على الثقة المؤسسية المتزايدة في مستقبل “بيتكوين”، حتى مع وجود العديد من التحديات التي تواجه العملات المشفرة بشكل عام. وكأنها بتقول للسوق “أنا لسه هنا، ومستمر”.

في المقابل، لم تكن الأوضاع وردية بنفس القدر بالنسبة لـ”إيثريوم”، ثاني أكبر عملة رقمية من حيث القيمة السوقية. فقد تكبدت “إيثريوم” خسائر أعمق، وصلت نسبتها إلى 4.2%، لتغلق تداولاتها عند مستوى 4,293.90 دولار. الأرقام تتحدث عن نفسها: فخلال الثلاثين يومًا الماضية، تراجعت العملة بنسبة 9.7%، مبتعدة بنحو 13% عن أعلى مستوى تاريخي لها بلغ 4,955.98 دولار، والذي سجلته في الرابع والعشرين من أغسطس الماضي. وعلى الرغم من أن حجم تداولها اليومي بلغ 30.88 مليار دولار، واستحوذت على 13.07% من إجمالي القيمة السوقية للعملات الرقمية، إلا أن أداءها الأخير أثار قلق بعض المستثمرين.

ولعل ما زاد المشهد تعقيدًا بالنسبة لـ”إيثريوم” هو قصة صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) الخاصة بها. صحيح أن هذه الصناديق شهدت تدفقات إيجابية بقيمة 44.2 مليون دولار، لكن هذه التدفقات جاءت بعد موجة سحوبات تاريخية تجاوزت 780 مليون دولار. فهل هذا يعني أن الثقة بدأت تعود تدريجيًا، أم أنها مجرد ومضة أمل لا تكفي لتغيير المسار؟ فشل “إيثريوم” في التماسك فوق حاجز 4,280 دولار يؤكد استمرار ضغوط البيع، وهذا ما يجعل الكثيرين يتساءلون: هل هذا هو القاع، أم أن هناك المزيد في الطريق؟

ما الذي يحرك هذه الأسواق الصاعدة والهابطة؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه الجميع. يربط المحللون الماليون بين اتجاهات السوق الحالية ومجموعة من العوامل العالمية المتشابكة، أبرزها قرارات البنوك المركزية المتعلقة بأسعار الفائدة والسياسات النقدية. فعندما ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة، يصبح الاحتفاظ بالنقود أكثر جاذبية، مما قد يدفع المستثمرين للابتعاد عن الأصول الأكثر خطورة مثل العملات الرقمية. أضف إلى ذلك المتغيرات الجيوسياسية وحركة رؤوس الأموال، التي تلعب دورًا محوريًا في تحديد مسار هذه الأسواق.

في هذا السياق، تظهر “بيتكوين” بشكل خاص أكثر ارتباطًا بردود الفعل تجاه الأزمات الاقتصادية والسياسية العالمية. فهي غالبًا ما تُنظر إليها كملاذ استثماري محتمل، يلجأ إليه المستثمرون لحماية ثرواتهم عندما تتزايد حالة عدم اليقين في الأسواق التقليدية. فهل يمكن أن تصبح “بيتكوين” الذهب الرقمي للعصر الحديث؟ وماذا عن “إيثريوم” وباقي العملات؟ تبقى الإجابة معلقة على استمرار التطورات العالمية، وعلى قدرة هذه العملات على إثبات قيمتها الحقيقية في عالم يتغير بسرعة البرق.

في النهاية، يبدو أن سوق العملات الرقمية سيظل “لعبة الكراسي المتحركة” التي تباغت اللاعبين دائمًا، تارة بالصعود الجنوني وتارة بالهبوط المفاجئ. والموضوع مش مجرد أرقام بتطلع وتنزل وخلاص، دي حكايات استثمارات، طموحات، ومخاوف ملايين الناس حول العالم. فهل أنت مستعد لهذه الرحلة المتقلبة، أم تفضل الاستقرار والهدوء؟ هذا سؤال لا يجيب عنه سوى كل مستثمر لنفسه، مع مراعاة أن “المال السهل” نادرًا ما يكون سهلًا حقًا في هذا العالم الرقمي السريع.

Leave a Comment

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.