الدولار في مصر: هل هي هدنة أم بداية لقصة جديدة؟

في مصر، هناك “نبض” اقتصادي لا يتوقف عن مراقبته الجميع، من ربة المنزل إلى المستثمر الكبير: سعر الدولار. إنه ليس مجرد رقم في شاشة، بل هو مؤشر يومي يؤثر في كل تفاصيل حياتنا المعيشية، من سعر رغيف الخبز المستورد قمحُه، إلى تكلفة الدواء الذي لا غنى عنه، وصولاً إلى فواتير استيراد مستلزمات الإنتاج للمصانع. ولهذا، فإن أي تحرك في هذا الرقم، سواء صعوداً أو هبوطاً، يثير موجة من التساؤلات والتوقعات. فهل يمكننا أخيرًا أن نتنفس الصعداء ولو قليلاً بعد شهور من الترقب والضغط؟

يبدو أن يوم الخميس، الموافق الثاني من أكتوبر 2025، قد حمل معه بعض الهدوء لأسواق العملات المصرية، بعد فترة من التقلبات الشديدة التي اعتادها الكثيرون. فقد شهد سعر صرف الدولار الأمريكي ثباتًا ملحوظًا مقابل الجنيه المصري في معظم البنوك العاملة في البلاد. هذا الثبات جاء عقب موجة تراجع واسعة النطاق اجتاحت سبعة بنوك كبرى في ختام تعاملات الأمس، وهو ما أثار بصيص أمل لدى البعض بأن السوق قد بدأ في استعادة جزء من توازنه.

تخيل معي المشهد يوم أمس: قبيل أن تغلق أبواب الصرافات الإلكترونية وتنتهي ساعات العمل المصرفي، بدأت شاشات العرض في سبعة من أكبر البنوك تومض بأرقام أقل للدولار. تراجع سعر العملة الخضراء، وإن كان طفيفًا في بعض الحالات، لكنه كان كافيًا لإثارة تساؤلات كثيرة. هل هذه مجرد “هدنة” مؤقتة، أم بداية لاتجاه جديد قد يخفف الضغط عن كاهل المواطنين والقطاع الاقتصادي ككل؟ بصراحة كده، أي خبر فيه تراجع للدولار بيطمن الناس شوية، حتى لو قرشين تلاتة، لأن كل قرش بيفرق في الحسابات الكبيرة.

اليوم، استقرت الأوضاع إلى حد كبير على ما آلت إليه أمس. ففي البنك الأهلي المصري وبنك مصر، عملاقي القطاع المصرفي وأوسع البنوك انتشارًا، حافظ سعر الشراء على مستوى 47.82 جنيهًا مصريًا، وسعر البيع على 47.92 جنيهًا. هذا الاستقرار أتى بعد أن كان قد شهد انخفاضًا بقدر قرشين في كلا السعرين يوم أمس. الأمر ذاته تكرر في البنك التجاري الدولي (CIB)، أحد أبرز البنوك الخاصة، وبنك الإسكندرية، حيث استمرت الأسعار على نفس الوتيرة عند 47.82 جنيهًا للشراء و47.92 جنيهًا للبيع بعد التراجع البالغ قرشين أيضًا في تعاملات الأربعاء.

لم يكن الثبات سمة الجميع بنفس القدر تمامًا، فلكل بنك ظروفه وتقديراته. بنك القاهرة، على سبيل المثال، سجل ثباتًا اليوم عند 47.82 جنيهًا للشراء و47.92 جنيهًا للبيع، لكنه كان قد شهد تراجعًا أكبر أمس وصل إلى ثلاثة قروش. أما بنك قناة السويس، الذي يُعد من اللاعبين المهمين في السوق المصرفي، فقد استقر اليوم عند 47.85 جنيهًا للشراء و47.95 جنيهًا للبيع، بعد هبوط لافت بخمسة قروش في تعاملات الأمس، وهو التراجع الأكبر بين البنوك التي شهدت انخفاضًا. في حين سجل بنك التعمير والإسكان استقرارًا عند 47.84 جنيهًا للشراء و47.94 جنيهًا للبيع، مع تراجع قرش واحد فقط بالأمس.

وهنا تيجي المفاجأة اللي بتكسر التوجه العام: بنك كريدي أجريكول كان ليه رأي تاني خالص! بخلاف هذا التوجه العام نحو الثبات بعد التراجع، شهد بنك كريدي أجريكول تحركًا تصاعديًا طفيفًا. فقد ارتفع سعر الشراء ليبلغ 47.83 جنيهًا مصريًا وسعر البيع إلى 47.93 جنيهًا، بزيادة قدرها ثلاثة قروش لكليهما. هذا التحرك يلفت الانتباه ويدعو للتساؤل حول الدوافع الكامنة وراءه في ظل اتجاه السوق الغالب، هل هي سياسة خاصة بالبنك أم مؤشر مختلف؟ بينما حافظ كل من بنك البركة ومصرف أبو ظبي الإسلامي على أسعارهما دون تغيير يذكر، مسجلين 47.80 جنيهًا للشراء و47.90 جنيهًا للبيع لبنك البركة، و48.03 جنيهًا للشراء و48.12 جنيهًا للبيع لمصرف أبو ظبي الإسلامي، وهو ما يجعلهما من بين البنوك التي تقدم سعرًا أعلى للدولار حاليًا.

يا ترى، إيه اللي بيحصل في السوق؟ هل هذه التراجعات الطفيفة والعودة للثبات إشارة على أن الجنيه المصري بدأ يستعيد أنفاسه قليلاً بعد فترة عصيبة؟ أم أنها مجرد تعديلات هامشية لا تعكس تحولاً جذريًا في مسار العملة الأجنبية؟ المحللون الاقتصاديون غالبًا ما يرون أن مثل هذه التغيرات، خاصةً بعد فترات من التقلبات الحادة، قد تكون نتيجة لعدة عوامل؛ منها تدفقات استثمارية أجنبية جديدة، أو تحسن في موارد الدولة من العملة الصعبة عبر قطاعات مثل السياحة أو الصادرات، أو حتى مجرد عمليات تصحيح للسوق بعد مضاربات سابقة. والكل عينه على البنك المركزي طبعاً، هل له يد خفية في هذه التحركات من خلال سياساته النقدية أو تدخلاته المباشرة؟

أهمية متابعة سعر الدولار لا تقتصر على المتداولين والمستثمرين فقط، بل تمتد لتشمل كل بيت ومؤسسة. فكل قرش يتغير في سعره يترجم إلى تغيير محسوس في أسعار السلع المستوردة، من الأدوية الأساسية والمواد الخام للمصانع، وصولاً إلى أبسط المنتجات الاستهلاكية على رفوف المحلات. أي تراجع في سعر الدولار يعني بصيص أمل في استقرار الأسعار، وتخفيف العبء عن كاهل المواطن الذي يئن تحت وطأة موجات التضخم المتتالية. وبالعكس، أي ارتفاع في قيمته يزيد من القلق حول القدرة الشرائية للمواطن وتكلفة المعيشة.

في النهاية، يظل الدولار بمثابة البوصلة التي توجه الاقتصاد المصري في بحر متلاطم من المتغيرات العالمية والمحلية. الاستقرار الذي نشهده اليوم، حتى لو كان طفيفًا ومحدودًا، هو مؤشر يتم رصده عن كثب من قبل الجميع. هل يستمر هذا الاتجاه نحو الهدوء والثبات، أم أنها مجرد سحابة صيف عابرة ستتبعها تقلبات جديدة؟ هذا ما ستكشفه الأيام والأسابيع القادمة، التي نترقبها جميعًا، كلٌّ من منظوره الخاص، أملاً في غدٍ اقتصادي أكثر يسرًا وهدوءًا. لأن في الآخر، الاستقرار ده هو اللي بيحس بيه الواحد في جيبه وفي الأسعار اليومية اللي بيواجهها.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.