شهد السوق المصري، الذي لطالما اعتبر الذهب فيه ملاذًا آمنًا ومؤشرًا حساسًا للحالة الاقتصادية، يوم الاثنين الموافق 22 سبتمبر 2025، حالة من التقلبات العنيفة التي حبست الأنفاس. وكأن المعدن الأصفر، بكل بريقه وثباته المعهود، قد قرر أن يختبر صبر المتعاملين، متأثرًا بعواصف عالمية وهبوب رياح داخلية. هل هو صعود بلا توقف أم مجرد هدنة قبل تراجعات قاسية؟ هذا ما حاول الكثيرون فهمه طوال اليوم.
لم يكن هذا الاثنين يومًا عاديًا لمحللي الأسواق ولا للمواطن العادي الذي يرى في الذهب وسيلة للتحويش أو ضمانة للمستقبل. فمنذ الصباح الباكر، بدأت الأسعار في رقصة تذبذب مثيرة للجدل، صعودًا وهبوطًا في نطاق ضيق، ثم اتسعت الحركة في الفترة المسائية. وكأن السوق كان في حالة “مشد وجذب”، بين قوى تدفعه للأعلى وأخرى تحاول سحبه للأسفل. التغيرات لم تكن مجرد أرقام على الشاشات، بل كانت حديث المجالس ومحلات الصاغة، والكل بيسأل: “إيه اللي بيحصل؟”
وسط هذه الأجواء المتوترة، استقرت الأسعار النهائية لجرام الذهب، على اختلاف عياراته، على النحو التالي:
* بلغ سعر جرام الذهب عيار 24 ذروته عند 5669 جنيهًا.
* أما عيار 21، الأكثر تداولًا وشعبية في مصر، فسجل 4960 جنيهًا للجرام.
* في حين وصل سعر جرام الذهب عيار 18 إلى 4251 جنيهًا.
* وسجل عيار 14، الأقل شيوعًا، 3316 جنيهًا للجرام.
* أما الجنيه الذهب، الذي يعد خيارًا مفضلًا للمستثمرين الصغار، فقد بلغ سعره 39,680 جنيهًا.
لكن ما الذي يقف وراء هذه التحركات المتقلبة؟ الأمر ليس بسيطًا أو ذا عامل واحد، بل هو مزيج معقد من المؤثرات. في الأساس، يمكننا القول إن بورصات الذهب العالمية تلعب الدور الأكبر، فمصر جزء لا يتجزأ من هذا الاقتصاد العالمي. فعندما ترتفع أسعار الذهب عالميًا، يتبعه السوق المحلي غالبًا، والعكس صحيح. يضاف إلى ذلك، عوامل العرض والطلب المحلي، فكلما زاد الطلب من المستثمرين أو المقبلين على الزواج، ارتفعت الأسعار، والعكس بالعكس. ولا يمكن أن نغفل عامل الدولار الأمريكي، فهو كالحبل السري الذي يربط بين الذهب والسوق المحلي، فكلما ارتفع سعر الدولار مقابل الجنيه، زادت تكلفة الذهب المستورد، وبالتالي ارتفع سعره محليًا. يعني بصراحة، هي “خلطة” عوامل بتتحكم في كل حركة.
وبالنظر إلى المستقبل القريب، يترقب المتعاملون بفارغ الصبر ما يحمله يوم الغد من مفاجآت. هل تستمر هذه الدوامة، أم تهدأ الأمور؟ تتعدد السيناريوهات المحتملة، ولكن أبرزها ثلاثة:
أولًا: “الارتفاع الطفيف”. قد نشهد استمرارًا لصعود عيار 21 والجنيه الذهب بواقع 50 إلى 100 جنيه للجرام، وذلك إذا استمر ضعف الدولار الأمريكي أمام الجنيه وزاد حجم الطلب المحلي بشكل ملحوظ.
ثانيًا: “الاستقرار النسبي”. يمكن للسوق أن يلتقط أنفاسه ويشهد استقرارًا مؤقتًا في الأسعار، خاصة إذا تراجعت أسعار الذهب العالمية، أو استقرت حركة سعر صرف الدولار.
ثالثًا: “التراجع المحدود”. أي تحرك مفاجئ وغير متوقع في الأسواق العالمية، مثل صدور بيانات اقتصادية قوية أو قرارات سياسية مؤثرة، قد يؤدي إلى انخفاض محدود في أسعار العيارات الأقل تداولًا.
في خضم هذا المشهد المتقلب، يصبح اتخاذ القرارات السليمة أكثر أهمية من أي وقت مضى. لذا، يقدم الخبراء عدة نصائح للمتعاملين، سواء كانوا مشترين للادخار أو للهدايا أو حتى لتجهيز “الشبكة”. أولًا وقبل كل شيء، متابعة أسعار الذهب يومًا بيوم وبانتظام هي الخطوة الأساسية لاتخاذ قرارات مدروسة بعيدًا عن الاندفاع. ثانيًا، لا تكتفِ بسعر واحد، قارن الأسعار بين محلات الصاغة المختلفة، فالأسعار قد تختلف ولو بجنيهات قليلة، وهذا الفرق قد يصبح كبيرًا عند شراء كميات أكبر. وأخيرًا، لا تنسَ مراعاة “المصنعية”، هذا المبلغ الذي يُضاف لسعر الجرام مقابل تشكيل الذهب وصياغته. عادة ما تتراوح بين 100 و150 جنيهًا للجرام، وتختلف بحسب نوع العيار وتصميم المشغولات الذهبية.
في النهاية، يبقى الذهب في مصر أكثر من مجرد سلعة اقتصادية؛ إنه جزء من ثقافتنا، من عاداتنا وتقاليدنا، وملاذ للادخار يطمئن إليه الكثيرون في أوقات الشدائد. التقلبات الأخيرة تذكرنا بأن الاستثمار في الذهب، كأي استثمار آخر، يتطلب وعيًا ومتابعة حثيثة. فهل يمكننا أن نتعلم من رقصة الذهب المتقلبة هذه؟ وهل باتت المرونة والاستعداد للتغير هي مفتاح التعامل مع سوق لا يتوقف عن مفاجأتنا؟ ربما تكون الإجابة في ترقب دائم، وفهم عميق للديناميكيات التي تحرك هذا المعدن الثمين.