في عالم المال والأعمال، حيث تتراقص الأرقام على شاشات المضاربين وتتقلب الثروات بلمح البصر، تأتي كل جلسة تداول بقصتها الخاصة. يوم الإثنين الماضي، الموافق الثالث والعشرين من سبتمبر لعام 2025، كان اليورو على موعد مع لحظة مثيرة، حينما سجل ارتفاعاً طفيفاً لكنه حاسم أمام الدولار الأمريكي. لم يكن مجرد صعود عادي، بل كان اختراقاً لمستوى 1.18، وهو رقم طالما كان نقطة محورية، أشبه ما يكون بخط دفاع حصين في معركة الأسعار. تخيل معي بوابة كانت مغلقة بإحكام، وفجأة تجدها تُفتح على مصراعيها، فقط ليعود السهم ويقف عندها متأملاً، في حركة أثارت الكثير من التساؤلات بين المحللين والمتابعين.
هذا المستوى، الـ 1.18، لم يكن مجرد رقم عابر على الرسوم البيانية؛ بل كان تاريخياً يمثل عائقاً قوياً، مقاومة لا يستهان بها، وعندما تم تجاوزه، بدأت الآمال تتجه نحو تحوله لدعم محتمل. بصراحة، يعني الحكاية دي بتورينا قد إيه السوق ديناميكي ومتقلب. فبعد الاندفاع الأولي وكسر هذا الحاجز، عاد الزوج ليتلمس طريقه نحوه مرة أخرى، وكأنه يختبر صلابته الجديدة كمنطقة دعم. هذه الحركة، وإن بدت للوهلة الأولى متناقضة، هي جزء أساسي من سلوك السوق الذي لا يكل عن إعادة اختبار مستوياته الحاسمة، ففي كل مرة يتم فيها اختراق مستوى مهم، سرعان ما يعود السوق ليتأكد من هذا التغيير قبل أن يمضي قدماً.
بالنظر إلى الصورة الأوسع خلال الأشهر القليلة الماضية، كان مسار اليورو مقابل الدولار الأمريكي صعودياً بشكل ملحوظ، وصولاً إلى هذا المستوى الهام 1.18. لكن ما الذي يخبئه المستقبل القريب؟ المحلل المالي المتمرس، كريستوفر لويس، الذي يتابع هذه التحركات من كولومبوس بأوهايو، يرى أن المتوسط المتحرك لـ 50 يوماً يلعب دور صمام الأمان، أو زي ما بنقول، خط الدفاع الأساسي اللي بنعتمد عليه. هذا المتوسط، الذي يقع حالياً عند 1.1670 ويتجه نحو الأعلى، يعتبر مؤشراً قوياً للاتجاه الصاعد. إذا حافظ السعر على بقائه فوق هذا الخط، فإن الأجواء العامة ستظل إيجابية للغاية، والاتجاه سيظل يميل للتصاعد بقوة. فالمحافظة على هذه النقطة الحيوية تعني استمرارية الثقة في العملة الأوروبية.
ولكن، ماذا لو انقلبت الموازين؟ ألا يحمل كل صعود في طياته إمكانية الهبوط؟ يتساءل لويس عن السيناريو المقابل، فإذا تم اختراق هذا المتوسط المتحرك لـ 50 يوماً للأسفل، وهو احتمال وارد في أي سوق متقلبة، فإن الأنظار ستتجه مباشرة إلى مستوى 1.16. هذا الرقم ليس مجرد نقطة عشوائية، بل هو مستوى دعم رئيسي آخر، ويمكن أن يمثل محطة توقف للأسعار قبل أن تقرر وجهتها التالية. كأنك ماشي في طريق وعندك محطات معروفة، لو المحطة الأولى وقعت، هتستنى عند التانية. هذا المستوى، إذا تم اختراقه، قد يثير قلق المتداولين بشأن ضعف محتمل في زخم اليورو.
على الجانب الآخر من العملة، إذا استمر الزخم الصعودي وتمكن اليورو من تجاوز العقبات الحالية، فإن المستوى 1.19 ينتظره كمقاومة سابقة. اختراق هذا الحاجز سيفتح الباب على مصراعيه نحو القمة التالية التي يترقبها الجميع: مستوى 1.20. هذا الرقم ليس مجرد حاجز فني، بل هو نقطة نفسية عملاقة، بتلاقي ناس كتير مستنية عنده عشان تعمل جني للأرباح أو حتى تبدأ في عمليات بيع على المكشوف. إنه أشبه ما يكون بمغناطيس يجذب المتداولين لتصريف مراكزهم أو فتح مراكز جديدة بناءً على توقعاتهم، ما يجعله منطقة اشتباك قوية بين المشترين والبائعين.
يتوقع لويس أن يقدم هذا المستوى، الـ 1.20، مقاومة كبيرة جداً، نظراً لكونه منطقة تجمع فيها الكثير من الأوامر المعلقة. ولكن، في حال تمكن اليورو من تجاوز هذه المنطقة الحصينة بقوة وثبات، فإن المشهد سيتغير تماماً. سيناريو “الشراء والاحتفاظ” (Buy and Hold) طويل الأمد قد يصبح هو السائد، مشيراً إلى ثقة عميقة في استمرارية الاتجاه الصعودي. ده بقى اللي بيقولوا عليه تغيير في قواعد اللعبة، حيث يرى المستثمرون أن الأسعار لن تعود إلى مستوياتها السابقة بسهولة، وبالتالي يصبح الاحتفاظ بالأصول هو الاستراتيجية الأكثر ربحية.
ولكن، لكي نكون واقعيين ونغطي كافة الاحتمالات، دعونا لا نغفل الجانب السلبي. فإذا حدث ما هو غير متوقع وتم كسر مستوى 1.16 للأسفل، فإن التحرك الهبوطي قد يتسارع نحو مستوى 1.14. هذه النقطة بدورها ليست عادية، بل هي منطقة يُتوقع أن تبدأ عندها اختبار المتوسط المتحرك لـ 200 يوم، الذي يعتبر خط دعم رئيسي على المدى الطويل ويشير إلى الاتجاه العام للسوق على فترات زمنية أطول. لو ده حصل، يبقى السوق بيغير جلده خالص وبيختبر قوته من جديد، وقد يشير إلى تحول في الاتجاه العام الذي كان صاعداً لأسابيع.
في خضم كل هذه التوقعات والسيناريوهات المتعددة، يختتم كريستوفر لويس تحليله بالقول إن السوق من المرجح أن يظل شديد التذبذب وجانبياً إلى حد ما في الوقت الراهن. يعني بصراحة، اللي بيحصل ده أقرب للمشي في حلقة مفرغة، صعود وهبوط ضمن نطاق معين، وده بيتطلب حذر كبير من المتداولين. لويس، بصفته متداول فوركس محترف من كولومبوس، أوهايو، لا يكتفي بمراقبة الأسواق بل يشارك فيها بنشاط، ويتداول في مجموعة واسعة من أزواج العملات، ولديه شغف خاص بالتداول في جميع الجلسات، حتى أثناء فترات دراسته العليا في علوم المال والحاسوب. هذا المزيج من المعرفة الأكاديمية والخبرة العملية يمنحه نظرة ثاقبة وفريدة لتقلبات السوق، وقدرة على رؤية ما وراء الأرقام المجردة.
في نهاية المطاف، تبدو حركة اليورو مقابل الدولار الأمريكي كرقصة معقدة بين مستويات الدعم والمقاومة، تتخللها آمال المتداولين ومخاوفهم. إنها ليست مجرد أرقام تتحرك صعوداً وهبوطاً، بل هي انعكاس لمشاعر اقتصادية عالمية، لقرارات بنوك مركزية، ولتوقعات المستثمرين. فهل سيتمكن اليورو من تثبيت أقدامه فوق المستوى 1.18 ليواصل رحلته الصعودية نحو 1.20؟ أم أن الضغوط ستدفعه نحو إعادة اختبار مستويات أدنى؟ هذه هي الأسئلة التي تشغل بال كل من يضع رهانه في هذا السوق الصاخب، سوق لا ينام أبداً، ويخبرنا في كل لحظة أن الثبات الوحيد فيه هو التغير ذاته. فلا يغرنك الهدوء الظاهري أحياناً، فالعاصفة قد تكون قادمة، أو قد تكون فرصة ذهبية بانتظارك، بس عايزة عين بتشوف وقلب بيقدر يفهم لغة السوق.