تحت سماء مصر، التي تتأمل مستقبلها الاقتصادي بعيون مفعمة بالأمل والتحدي، أصبح المستثمرون والمتابعون يلغون أصابعهم على لوحة مفاتيح هواتفهم، يبحثون عن إشارة صغيرة تُبدد غموض سوق العملات اليوم. هل تتخيل أن أحد أكثر المؤشرات الاقتصادية حساسية، وهو سعر اليورو مقابل الجنيه المصري، يمر الآن بمرحلة من التوازن النسبي، بعد أن هبطت أسعاره وتوقف عند حد معين، كأن العملة الأوروبية تتنفس نفس الهواء وتحتضن ذات الهدوء في أسواق بلد النيل؟
بدأت القصة مع بداية يوم الثلاثاء، حين نشر البنك المركزي المصري تقريراً بعث برسالة من الاستقرار غامرة، تحمل إشارة واضحة أن العملة الأوروبية، اليورو، تتجه نحو نوع من التوازن داخل البنوك المصرية. مُنذُ فترة، كانت هناك تقلبات واضحة، بعض أيام هابطة، وأيام أخرى تلجأ فيها العملة إلى الارتداد، لكن اليوم، بدا أن الأمور استقرت. وفقاً للأرقام، فإن سعر الشراء للـEUR عند 56.34 جنيه، وسعر البيع عند 56.50، وهو معدل يتطلع العاملون في السوق إلى استقراره، بعد أيام من التذبذب.
لكن كيف وصلنا إلى هذا الحال؟ وما الذي يحدو بالبنك المركزي أن يوجه سياسته نحو الاستقرار؟ باختصار، كانت هناك موجة من التغيرات العالمية والمحلية تؤثر على سعر العملة الأوروبية. ففي يوليو الماضي، قررت البنك المركزي الأوروبي تثبيت سعر الفائدة عند 2.15٪، وهو رقم يوضح أن السياسات الأوروبية لم تُغيّر بعد، وأن المنطقة لا تزال تحافظ على موقفها من التيسير النقدي، رغم الضغوط المرتفعة عالمياً. أما مصر، فكانت تتخذ من جانبها إجراءات مختلفة، إذ قرر البنك المركزي المصري في أغسطس تقليل نسبة الفائدة على الودائع الليلية بمقدار 200 نقطة أساس، وهو تخفيض يُعدّ ثالثاً لهذا العام، ويهدف إلى تشجيع الاستثمارات وتلطيف تكلفة التمويل.
السؤال هنا: هل هذا التوازن مجرد صدفة، أم استراتيجية مدروسة؟ بمعنى آخر، هل نحن أمام مرحلة توازن حقيقي أم أن السوق يعاني من نوع من التوقف المؤقت قبل هزة جديدة؟ الإجابة لا تزال غير واضحة تمامًا، لكن، ما هو واضح أن السوق المصرية، بأسواقها المصرفية، تميل الآن إلى الاحتفاظ بسعر ثابت نسبياً، مع تفاوت بسيط بين البنوك.
نظرة على تفاصيل السوق تكشف أن البنوك الحكومية الكبرى، مثل البنك الأهلي المصري وبنك مصر، تتراوح أسعارهما بين 56.25 و56.62 جنيه للجنيه، وهذا توحيد شبه كامل، وربما يعكس رغبة البنوك في الحفاظ على استقرار العملة، خاصة في ظل تقلّبات عالمية. على الجانب الآخر، تظهر المصارف الخاصة، مثل البنك التجاري الدولي والبنك الإسكندرية، تفاوتات طفيفة، لكن لا تلغي حقيقة أن بعضها يتحرك ليقترب من الـ 56.68 جنيه كسعر شراء، و56.89 للبيع.
أما أعلى سعر مسجل اليوم، فكان في بنك القاهرة، حيث وصل سعر البيع إلى 57.22 جنيه، وهو مستوى يشير إلى احتمال وجود نوع من المضاربة أو محاولة من بعض البنوك لبيع العملة بأعلى سعر ممكن، في مجال يتحكم فيه عرض وطلب، ويفرض فيه اللاعبون أسعاراً متعددة حسب استراتيجيتهم. وضعية الطلب والعرض هنا، تجسد بشكل واضح مقدار التنافس والحذر على حد سواء في سوق العملات المصري، كمثل لعبة شد الحبل، اللاعبون يتأرجحون بين الذكاء والحيطة.
برغم ذلك، يبقى السؤال: هل تتجه مصر نحو استقرار دائم أم أن هناك احتمالات لتقلبات مستقبلية؟ فيما يخص السياسة النقدية، فإن قرار البنك المركزي الأوروبي برفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 2.15٪، يوضح أن المنطقة بدأت تتماسك نوعاً ما، لكن توجهات مصر واضحة، حيث أظهر البنك المركزي مرونة، بتخفيض أسعار الفائدة، بهدف دعم الاقتصاد المحلي، خاصة وأن التضخم لا زال يشكل هاجساً، رغم التوترات الدولية. يبدو أن مصر تحاول أن توازن بين جبهة التضخم وجبهة تدعيم العملة، وهي معركة ليست سهلة.
أما الملامح المستقبلية، فهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتطورات العالم، خاصة في ظل توترات جيوسياسية أو اقتصادية محتملة، يمكن أن تؤدي إلى تحركات غير متوقعة في سوق العملة. ولكن، بحسب الخبراء، فإن السوق الحالي يعكس نوعاً من التوازن المؤقت، والتي قد يكون مقدمة لمرحلة استقرار أكثر ثباتاً، إذا ما واصل البنك المركزي سياسته بحكمة، وتوافقت السياسات الدولية على استقرار الاقتصاد العالمي.
هذه الحالة من التوازن، على الرغم من أنها تبدو آمنة نسبياً، لا يجب أن تُغري المستثمرين أو المتابعين بأن يتخلوا عن الحذر، إذ أن المعطيات الجيوسياسية والمالية تتغير بسرعة، ويمكن أن تطيح بأية مكاسب قصيرة الأمد. من الضروري أن يبقى المواطن العادي على اطلاع دائم، ويبقى مستعداً لأي طارئ، سواء قفز سعر اليورو أو هبوطه.
وفي النهاية، يبقى السؤال مهمًا لكل واحد فينا: كيف يمكن أن تؤثر تحركات السوق الحالية على حياتنا اليومية؟ هل ستعود أسعار السلع المستوردة إلى الارتفاع مع ارتفاع سعر اليورو، أم ستكون هناك فترة من الثبات يمكن استثمارها في خططنا المالية؟ الواقع أن السوق دوماً لعبة معقدة، وكل قرار أو خطوة تتخذها المؤسسات المالية، هي جزء من لوحة كبيرة تُرسم في خلفية اقتصاد بلدنا، يعكس بأمانة مسيرة مصر نحو مستقبل أكثر استقراراً، رغم تقلباته.
في النهاية، إذن، لا يمكن للمرء إلا أن يراقب، ويفكر، ويخطط، مستعيناً بنظرته الثاقبة، ليعرف أين يتجه سعر اليورو، وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لمستقبلنا.\