في قلب العاصمة المالية الأميركية، حيث تُرسم مصائر الاستثمارات وتتأرجح موازين الثقة، ساد الأربعاء الماضي شعورٌ بالقلق والترقب. لم يكن يوماً عادياً في وول ستريت؛ فمع كل نقطة تراجعت فيها مؤشرات الأسهم الرئيسية، بدت وكأن همسات الرياح تحمل معها أخباراً لا تبعث على الاطمئنان، لتُضاف إلى مشهد اقتصادي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم. ترى، هل كانت هذه مجرد هزة عابرة، أم إشارة لتقلبات أعمق في الأفق؟

الرقم الذي أطلق شرارة القلق جاء من سوق العمل، تلك الرافعة الأساسية للاقتصاد. فبعد أن كانت التوقعات تشير إلى زيادة معتدلة في وظائف القطاع الخاص، فاجأ تقرير التوظيف الوطني (ADP) الجميع بإعلان صادم: انخفاض بواقع 32 ألف وظيفة في سبتمبر. هذا التراجع، الذي يُعد الأكبر منذ عامين ونصف العام، جاء ليقضي على آمال الاقتصاديين الذين كانوا ينتظرون زيادة قدرها 50 ألف وظيفة. بصراحة كده، ده تغيير كبير ومفاجئ، خصوصاً لما تشوف إن الشهر اللي قبله، أغسطس، شهد انخفاضاً معدلاً طفيفاً بلغ 3 آلاف وظيفة.

لم تمضِ ساعات قليلة على هذا الإعلان حتى بدأت أصابع الاتهام تشير إلى أمرين محوريين: بيانات التوظيف الضعيفة، والتي تُشعل التكهنات حول إمكانية قيام البنك المركزي الأميركي بتخفيض أسعار الفائدة، وخطر الإغلاق الحكومي الفيدرالي الوشيك. مزيج هذين العاملين ألقى بظلاله الثقيلة على بورصات الأسهم؛ فهبط مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 0.14%، بينما خسر مؤشر ستاندرد آند بورز 500 نسبة 0.32% من قيمته، وتراجع مؤشر ناسداك المركب، ذو الثقل التكنولوجي، بنسبة 0.41%. يعني السوق كله كان واخد ضربة مش سهلة.

هذا التدهور في سوق العمل يضع صناع القرار أمام معضلة حقيقية، أشبه بالمشي على حبل مشدود، زي ما بيقولوا. فالبيانات يجب أن تكون ضعيفة بما يكفي لتدعيم فكرة تخفيض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، في محاولة لتنشيط الاقتصاد، لكن في الوقت نفسه، يجب ألا تكون سيئة لدرجة إثارة مخاوف واسعة النطاق من تباطؤ اقتصادي أعمق أو حتى ركود. إنها لعبة توازن دقيقة، تتطلب جرعات محسوبة من المعلومات والتحليلات، فهل يستطيع صانعو السياسة الاقتصادية إتقان هذا الرقص المعقد؟

وفي خضم هذه الاضطرابات، لم يسلم الدولار الأميركي من تداعيات الأوضاع المتوترة. فقد سجلت العملة الخضراء أدنى مستوياتها في أسبوع مقابل سلة العملات الرئيسية، حيث انخفض مؤشر الدولار بنسبة 0.1%. وهنا يوضح إدوارد ماير، المحلل المالي البارز لدى “ماريكس”، أن “الدولار يتعرض لضغوط حقيقية؛ لأن المزاج العام تجاه الولايات المتحدة عادة ما يتجه نحو السلبية الشديدة عند الحديث عن إغلاق حكومي، وكلا الدولار وأسواق الأسهم الأميركية يكونان من بين الضحايا الأوائل”. ويضيف ماير بوضوح: “تقرير التوظيف الضعيف لن يدعم الدولار أبداً. وهناك سبب آخر، وهو تباطؤ الاقتصاد الذي يعني في الغالب انخفاض أسعار الفائدة، وكل هذه العوامل مجتمعة تعزز جاذبية الذهب”.

بالحديث عن الذهب، فقد كان المعدن الأصفر هو النجم الساطع في هذا المشهد الاقتصادي الضبابي. بينما كانت الأسهم والدولار تتهاوى، ارتفعت أسعار الذهب إلى مستويات قياسية، مدعومة بضعف الدولار والطلب المتزايد على الملاذات الآمنة في أوقات عدم اليقين السياسي والاقتصادي. وارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 0.2% ليصل إلى 3866.10 دولار للأونصة، بعد أن سجل أعلى مستوى له على الإطلاق عند 3895.09 دولار في وقت سابق من جلسة التداول. وكذلك، ارتفعت العقود الآجلة للذهب الأميركي تسليم ديسمبر بنسبة 0.5% لتصل إلى 3892.80 دولار. يعني بصراحة، لما الدنيا بتلخبط، الناس بتجري على الذهب، وده طبيعي.

في النهاية، ما حدث في وول ستريت الأربعاء الماضي هو بمثابة مرآة تعكس حالة من عدم اليقين المتزايد في الاقتصاد العالمي. إن ضعف سوق العمل، واحتمالية الإغلاق الحكومي، والضبابية المحيطة بقرارات البنك المركزي، كلها عوامل تتضافر لتشكيل مشهد معقد يتطلب من المستثمرين والمراقبين على حد سواء درجة عالية من الحذر والتأني. فهل نحن على أعتاب مرحلة جديدة من التقلبات الاقتصادية، أم أن هذه مجرد سحابة صيف عابرة ستزول مع وضوح الرؤية السياسية والاقتصادية؟ الأيام القادمة هي وحدها الكفيلة بالإجابة، لكن الأكيد أن عيون العالم ستظل متجهة نحو واشنطن لمعرفة مصير هذه الألغاز الاقتصادية.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.