هل ما زال حلم امتلاك منزل أو شقة خاصة بك يراودك؟ أم أن فكرة الاستثمار الآمن، التي تُحوّل مدخرات العمر إلى أصول ملموسة، هي ما يشغل بالك؟ في مصر، ولأسباب متعددة ومتشابكة، تحول هذا الحلم، في أحيان كثيرة، إلى سباق محموم مع الزمن، وتحديدًا مع الأرقام الصاعدة بلا هوادة في سوق العقارات. الأسعار ترتفع باستمرار، وكأنها في سباق صعود لا يتوقف، مما يدفع الكثيرين للتساؤل: إلى متى سيستمر هذا؟ وهل من بصيص أمل لضبط هذه السوق الجامحة؟
يعتبر النائب محمد الحصي، عضو لجنة الإسكان بمجلس النواب، أن ما يحدث ليس ظاهرة غريبة أو استثناءً مصريًا، بل هو انعكاس لقاعدة اقتصادية عالمية: العرض والطلب. “يعني باختصار، أي سلعة في الدنيا بتغلى لو الطلب عليها زاد عن اللي موجود في السوق”، هكذا يشرح الحصي ببساطة، مضيفًا أن العقارات ليست بمنأى عن هذه القاعدة. لكن الصورة، كما يؤكد، ليست بهذا القدر من البساطة. فالأمر لا يتوقف عند مجرد معادلة العرض والطلب الكلاسيكية، بل يتجاوزها إلى تكاليف الإنتاج الأساسية التي تشهد هي الأخرى ارتفاعات متتالية. نتحدث هنا عن ثمن الأرض، وسعر الحديد الذي يعتبر عصب البناء، والأسمنت، وحتى الرمال ومكونات البناء الأخرى؛ جميعها تشهد تضخمًا يزيد من كلفة الوحدة السكنية النهائية، وينعكس حتمًا على سعر البيع.
لكن هناك بعد آخر، ثقافي بالأساس، يؤثر بشكل مباشر على هذه السوق. ففي الوعي الجمعي للمصريين، ترسخت قناعة راسخة بأن “العقار هو الابن البار” أو “الملاذ الآمن” للاستثمار. كثيرون يرون أنه لا بديل حقيقي ومضمون للاستثمار في الذهب، سوى العقارات. وفي هذا السياق، يوضح الحصي رؤية قطاع كبير من الناس قائلاً: “أسعار العقارات لا تنخفض في أي يوم، وربما لا ترتفع بشكل مريح، ولكنها ليس بها خسائر بأي حال من الأحوال”. هذه الثقافة المتأصلة، التي تُعلي من شأن العقار كحارس للمال من وطأة التضخم وتآكل القيمة، تدفع عددًا كبيرًا من المواطنين نحو شراء العقارات، سواء للسكن أو للاستثمار، ما يزيد الضغط على الطلب ويغذي دوامة الارتفاع المستمر.
أمام هذا المشهد المتسارع، لم تقف الحكومة مكتوفة الأيدي. فقد أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عن تحرك حكومي جاد لمواجهة التحديات التي يفرضها سوق العقارات. اللقاء المرتقب بين رئيس الوزراء وكبار المطورين العقاريين في مصر ليس مجرد اجتماع روتيني؛ إنه بمثابة طاولة مستديرة لبحث سبل “وضع آليات وضوابط واضحة لتسعير الوحدات السكنية”، بهدف تحقيق التوازن والعدالة المنشودة. فالأمر كما يبدو، يستدعي وقفة حاسمة. أشار مدبولي إلى أن فترة سابقة شهدت تسعيرًا للوحدات بناءً على سعر صرف الدولار المرتفع، وهو ما كان يضيف عبئًا كبيرًا على كاهل المشتري. ولكن مع الاستقرار النسبي الذي يشهده سعر الصرف حاليًا، أصبح لزامًا “إعادة النظر في آليات التسعير لضمان الشفافية وحماية مصالح المواطنين والمستثمرين على حد سواء”. هذا التحرك يؤكد حرص الحكومة على ضبط الإيقاع في هذه السوق الحيوية، وتعزيز الثقة فيها، باعتبارها ركيزة أساسية للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
وفي خطوة عملية موازية، تهدف إلى إزالة أي شوائب قد تعرقل مسيرة التنمية العقارية، أعلنت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية عن إنشاء وحدة متخصصة داخل هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. هذه الوحدة ليست مجرد إضافة إدارية، بل هي ذراع تنفيذية مهمتها الرئيسية “متابعة مشكلات المستثمرين والمطورين العقاريين والعمل على حلها بشكل مباشر وسريع”. جاء هذا القرار بعد رصد محاولات تلاعب من “بعض غير المختصين” مع عدد من المطورين، وهي ممارسات قد تضر بمصالح السوق العقارية وتؤثر سلبًا على ثقة المستثمرين والمواطنين. وبصراحة، “ده كان ممكن يبوظ الدنيا خالص ويزعزع ثقة الناس في السوق”، وهذا ما تسعى الوحدة الجديدة لتفاديه.
لتعزيز الشفافية وسرعة الاستجابة، ستفتح الوحدة الجديدة قنوات تواصل متعددة، سواء عبر المنصات الإلكترونية الحديثة أو من خلال الاجتماعات المباشرة. وليس هذا فحسب، بل خصصت الوزارة رقمًا على تطبيق “واتساب” (01140554000) لتلقي شكاوى واستفسارات المطورين العقاريين. هذه الخطوة تعكس جدية الحكومة في الانفتاح على المستثمرين وتذليل العقبات أمامهم، مما يساهم في بيئة استثمارية أكثر جاذبية وثقة، ويخدم في نهاية المطاف صالح المواطن الذي يبحث عن وحدة سكنية بسعر عادل.
إن المشهد العقاري في مصر، كما نرى، يشبه إلى حد كبير أي قصة اقتصادية كبرى؛ فهو مليء بالفرص والتحديات في آن واحد. فهل ستنجح هذه الجهود الحكومية المتضافرة في لجم ارتفاع الأسعار المتواصل وتحقيق التوازن المنشود؟ وهل سنرى بالفعل أسعارًا أكثر عدالة، تسمح للمزيد من الشباب بتحقيق حلم امتلاك منزل؟ لا شك أن الطريق ما زال طويلاً، ولكن المؤكد أن هناك تحركات جادة وخطوات عملية تُتخذ على أرض الواقع. إن استقرار سوق العقارات ليس مجرد أرقام تُسجل على الورق، بل هو انعكاس للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي الذي يطمح إليه كل بيت مصري. فلنأمل أن تؤتي هذه المبادرات ثمارها، وأن يعود سوق العقارات في مصر ليصبح واحة للأمان والاستقرار، لا ساحة لسباق محفوف بالمخاطر.