تخيل أن تستيقظ ذات صباح لتجد أن قطعة الأرض التي ورثتها عن أجدادك، أو المحل الذي بنيت فيه أحلامك، قد أصبحت جزءًا من مخطط حكومي طموح لمشروع ضخم. شعور بالقلق، أليس كذلك؟ هذا بالضبط ما يخشاه الكثيرون حول العالم عندما نتحدث عن “نزع الملكية للمنفعة العامة”. لكن في المملكة العربية السعودية، يبدو أن قواعد اللعبة تتغير بشكل جذري، فالمملكة لم تكتفِ بتعويض الملاك، بل قدمت نموذجًا جديدًا يهدف إلى طمأنة الجميع وتعزيز الثقة.
فقد أقرت المملكة العربية السعودية مؤخرًا نظامًا جديدًا لاستـملاك العقارات للمنفعة العامة، في خطوة يُنظر إليها على أنها أكثر من مجرد تعديل قانوني؛ إنها إعادة تعريف للعقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن في سياق التنمية الشاملة. الهدف الأساسي لهذا النظام، كما أُعلن، هو تعزيز الشفافية المطلقة وتقديم تعويضات عادلة ومنصفة للمالكين، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 الطموحة التي تتطلب تسريع وتيرة إنجاز المشاريع الكبرى دون الإخلال بحقوق الأفراد. وبصراحة كده، الناس كانت محتاجة تطمن إن حقوقها مش هتضيع في زحمة المشاريع الضخمة دي.
النظام الجديد لا يكتفي بالتعويض التقليدي، بل يذهب لأبعد من ذلك بكثير. فهو ينص بوضوح على أن يتم تعويض المالك بقيمة العقار السوقية الكاملة، مضافًا إليها علاوة بنسبة 20%. نعم، قرأتَ الرقم صحيحًا: 20% إضافية فوق القيمة السوقية! هذه الزيادة ليست مجرد لفتة كريمة، بل هي اعتراف ضمني بأن عملية نزع الملكية تحمل في طياتها بعض التكاليف غير المباشرة أو الفرص الضائعة للمالك. بصراحة، دي خطوة جريئة ومحسوبة كويس، وبتدل على حرص الدولة على إن محدش يخسر من ورا التنمية.
لكن القصة لا تتوقف عند التعويض النقدي فقط. فالنظام يدرك أن الخسائر قد تتجاوز قيمة العقار نفسه. لذا، فقد نص على تعويضات إضافية عن الأضرار الأخرى التي قد تلحق بالمالك، مثل تكاليف الإيجار البديل إذا كان العقار منزلاً، أو خسائر الأنشطة التجارية التي قد تتوقف مؤقتًا أو بشكل دائم. تخيل أن مطعمًا صغيرًا كان مصدر رزق لعائلة لعقود، وتم استملاكه لمشروع طريق جديد. هل يكفي تعويضه بقيمة العقار فقط؟ بالطبع لا. فالنظام الجديد يضمن تعويضًا شاملاً يغطي هذه الجوانب الحيوية، للحفاظ على استمرارية حياة المالك ونشاطه التجاري.
ولعل الابتكار الحقيقي الذي يميز هذا النظام ويجعله فريدًا من نوعه، هو الخيارات المتعددة التي يوفرها للمالكين بدلًا من الاقتصار على التعويض المادي. فبإمكان المالك أن يختار الحصول على عقار بديل يماثل عقاره المستملك، أو حتى الحصول على حصص في المشروع محل النزع نفسه. أليس هذا أفضل من مجرد شيك تعويضي؟ هذه الآلية تتيح للأفراد أن يصبحوا شركاء في عوائد التنمية، وليسوا مجرد متلقين لتعويضات نقدية قد لا تعكس دائمًا القيمة الحقيقية لما فقدوه على المدى الطويل. يعني مش مجرد فلوس وخلاص، لأ، ممكن تشارك في المكسب كمان.
الشفافية هي الركيزة الأساسية التي بني عليها هذا النظام. فلكي نضمن عدم وجود أي لبس أو شكوك، نص النظام على نشر قرارات نزع الملكية في الصحف الرسمية ووسائل الإعلام المتاحة. الأهم من ذلك، أنه يمنح الملاك الحق في الاعتراض على هذه القرارات. هذا البند حيوي للغاية؛ فهو يوفر آلية قانونية واضحة للمالكين للتعبير عن مخاوفهم أو طلب مراجعة، ويضمن أن تكون العملية برمتها خاضعة للمساءلة والمتابعة. يعني مفيش قرارات هتتخبى، والكل هيكون عارف اللي بيحصل بالظبط.
كما أن النظام لم يغفل أيضًا عن شريحة مهمة وحيوية في أي اقتصاد: أصحاب الأنشطة التجارية والمشاريع الصغيرة. فقد تضمنت اللوائح آليات محددة لتعويض هذه الفئات المتضررة، مدركًا أن تأثير نزع الملكية على مشروع صغير قد يكون كارثيًا إذا لم يتم التعامل معه بعناية. هذا التوازن بين حاجة الدولة للتنمية وحماية الحقوق الخاصة هو جوهر الفلسفة الجديدة التي يتبناها النظام. دي حاجة بتطمن أصحاب المشاريع الصغيرة إن تعبهم وشقاهم مش هيضيع هدر.
هذا كله يأتي في سياق أوسع وأكثر طموحًا، وهو رؤية المملكة 2030 التي تدفع عجلة التنمية في جميع القطاعات. فالمشاريع العملاقة مثل مدينة نيوم المستقبلية، ومشروع “ذا لاين” الطموح، وتطوير المدن الكبرى كالرياض وجدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة، تتطلب حيازة مساحات شاسعة من الأراضي. إن وجود إطار قانوني واضح ومنصف لعمليات نزع الملكية يمثل حجر الزاوية لضمان سير هذه المشاريع بسلاسة وفعالية، دون تعثرات قانونية أو احتجاجات شعبية تعيق التقدم.
من المتوقع أن يضاعف هذا الإطار القانوني الجديد من وضوح البيئة الاستثمارية في المملكة، ويعزز ثقة المستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب، في السوق العقاري السعودي الذي يشهد منافسة متصاعدة. فالمستثمر يبحث دائمًا عن الاستقرار والوضوح القانوني، وهذا النظام يوفر له بالضبط ذلك. يعني المستثمر هييجي وهو مطمن إن حقوقه هتكون مصونة، ودا هيجذب استثمارات أكتر للمملكة.
في النهاية، هذا النظام ليس مجرد تعديل قانوني إجرائي، بل هو انعكاس لفلسفة تنموية جديدة تضع الإنسان في قلب التنمية. إنه يؤكد أن التقدم لا يجب أن يأتي على حساب حقوق الأفراد، بل يجب أن يكون متوازنًا ومحققًا للمصلحة العامة والخاصة معًا. إنه رسالة واضحة من المملكة بأنها تتبنى مقاربة عصرية وإنسانية في تعاملها مع قضايا التنمية والعقارات، وتسعى لتقديم نموذج يمكن أن يحتذى به في المنطقة والعالم. هل هذا النموذج سيصبح معيارًا جديدًا للتعامل مع تحديات التنمية الحضرية الكبرى؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة، ولكن المؤشرات الأولية مبشرة للغاية.