هل فكرت يومًا كيف لحدث اقتصادي عالمي أن يتردد صداه من أسواق المال الكبرى في نيويورك إلى أصغر محل صاغة في قلب القاهرة؟ هكذا هو الذهب، هذا المعدن النفيس الذي لا يزال يحتفظ ببريقه وقيمته على مر العصور. ففي مشهد يثير الدهشة والترقب، شهد يوم الثلاثاء الموافق 23 سبتمبر 2025 قفزة تاريخية غير مسبوقة في أسعار الذهب عالميًا، محطمًا بذلك كل الأرقام القياسية السابقة. لم يكن هذا مجرد ارتفاع عابر، بل كان صعودًا مدفوعًا بعوامل اقتصادية معقدة، ترسم ملامح مستقبل يراقب فيه الجميع حركة البورصات بحبس أنفاس.

تحديدًا في ذلك اليوم، لم يكن “الثلاثاء” يومًا عاديًا للمتعاملين في سوق المعادن النفيسة. فقد ارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 0.6%، ليلامس عتبة 3769.48 دولار للأوقية الواحدة، مسجلاً مستوى قياسيًا عالميًا جديدًا يجعله حديث الساعة. ولم تكن العقود الآجلة للذهب الأمريكي لشهر ديسمبر أقل صعودًا، بل شهدت هي الأخرى ارتفاعًا بنسبة 0.7%، لتصل إلى 3801.70 دولار للأوقية. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي مؤشرات قوية على تحولات عميقة في الاقتصاد العالمي، وتحديدًا في السياسة النقدية الأمريكية التي تعد بمثابة البوصلة التي توجه العديد من الأسواق.

لكن ما الذي يقف وراء هذا التحليق الصاروخي للذهب؟ الإجابة تكمن بشكل رئيسي في التوقعات المتزايدة بشأن خفض أسعار الفائدة الأمريكية. يعني إيه الكلام ده؟ ببساطة، لما البنوك المركزية تخفض الفائدة، بيقل العائد على الأصول المالية الأخرى زي السندات، وبالتالي يصبح الذهب، الذي لا يدر عائدًا بطبعه، أكثر جاذبية للمستثمرين كقيمة تخزينية آمنة وملاذ في أوقات عدم اليقين. الجميع يترقب خطاب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، لاحقًا، والذي يحمل في طياته إشارات حاسمة حول المسار المستقبلي للسياسة النقدية. هل سيؤكد هذا الخطاب التوقعات ويمنح الذهب دفعة إضافية؟ هذا ما سيُكشف عنه قريبًا.

الارتفاع لم يكن مجرد ظاهرة عالمية بعيدة عن شواطئنا. طبعًا، الكلام ده بيأثر علينا هنا في مصر بشكل مباشر. فوفقًا لما أعلنته شعبة الذهب والمجوهرات، سجلت الأسعار المحلية ارتفاعات واضحة تعكس هذا الصعود العالمي. جرام الذهب عيار 24، المعروف بنقائه العالي، وصل إلى 5737 جنيهًا. أما عيار 21، الأكثر تداولاً وشعبية في مصر، فقد بلغ سعره 5020 جنيهًا للجرام، مع مصنعية تتراوح بين 100 و150 جنيهًا للجرام الواحد. وبالنسبة لعيار 18، فوصل إلى 4302 جنيهًا للجرام. أما الجنيه الذهب، الذي يعد استثمارًا شائعًا للكثيرين، فقد سجل قيمة 40160 جنيهًا. يعني لو كنت ناوي تشتري شبكة أو حتى مدخرات صغيرة، الأسعار دي أكيد هتخليك تفكر ألف مرة قبل ما تاخد الخطوة.

المحلل المستقل روس نورمان، قدم رؤيته لهذه الظاهرة، مشيرًا إلى أن “موقف السياسة النقدية الذي يميل نحو التخفيضات المستقبلية في الفائدة يزيد من التوقعات لحدوث تخفيضات أكبر، وهو ما يعد إيجابيًا لأسعار الذهب، خصوصًا مع حرص الإدارة الأمريكية على دفع ذلك”. كلمته دي بتوضح لنا إن الارتفاع مش عشوائي، لكن وراه حسابات وتوقعات مدروسة. وأضاف نورمان نقطة مهمة جدًا: “يشهد الذهب طلبًا جيدًا من المستثمرين المؤسساتيين الذين ربما يتحولون من الأسهم مع اقترابها من ذروتها، إلى جانب الطلب القوي من الهند”. فهل نحن نشهد تحولًا في استراتيجيات الاستثمار الكبرى، حيث يفضل الكبار اللجوء إلى الملاذ الآمن مع شعورهم بأن أسواق الأسهم بلغت أوجها؟

الطلب الهندي تحديدًا يستحق وقفة. ففي الهند، ارتفعت علاوات الذهب المادي إلى أعلى مستوياتها خلال عشرة أشهر هذا الأسبوع. سبحان الله، كأن الغلاوة بتزود الشغف! ورغم الأسعار القياسية التي تزامنت مع قرب موسم الأعياد، لم يثنِ ذلك المستثمرين عن الشراء، بل كانوا مدفوعين بتوقع المزيد من المكاسب. وكأنهم يقولون: “يا نحاس، يا مكسبي يا ذهب!”. هذا النهم الهندي للذهب، سواء كان للزينة أو الاستثمار أو المدخرات، يلعب دورًا محوريًا في ديناميكية السوق العالمية.

ماذا عن المستقبل القريب؟ نورمان أوضح أن أسعار الذهب في المدى القصير ستظل رهينة لعدة عوامل محورية. أولًا، استمرارية الطلب الهندي، فهل سيصمد هذا الطلب القوي أمام الأسعار المرتفعة؟ ثانيًا، انتعاش شراء الصين، العملاق الاقتصادي الآخر الذي يؤثر بقوة في أسواق السلع. وأخيرًا، ما إذا كانت الزيادة في حيازات صناديق الاستثمار المتداولة (ETF) ستستمر. هذه الصناديق التي تمثل وعاءً استثماريًا للذهب، تعكس شهية المستثمرين المؤسسيين تجاه المعدن الأصفر. هذه العوامل الثلاثة تشكل “مثلثًا ذهبيًا” يحدد وجهة أسعار الذهب في الأيام القادمة.

في الختام، يظل الذهب ليس مجرد معدن ثمين، بل هو مرآة تعكس حالة الاقتصاد العالمي، والمخاوف والتوقعات التي تسيطر على المستثمرين. هذا الارتفاع القياسي يضعنا جميعًا أمام تساؤلات حول مستقبل الادخار والاستثمار. هل نحن على أعتاب عصر ذهبي جديد، حيث يعود الذهب ليكون سيد الأصول، أم أن هذا مجرد قمة مؤقتة ستتبعها تصحيحات؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة، ولكن المؤكد أن بريق الذهب لا يزال يسحر العقول ويجذب الأنظار، ويفرض علينا جميعًا متابعة أدق التفاصيل لنفهم إلى أين تتجه بوصلة الاقتصاد العالمي.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.