بريق الذهب يتأرجح: تراجع مفاجئ في الأسعار يثير تساؤلات المستثمرين
كم مرة في حياتنا نبحث عن ملاذ آمن، عن قيمة تصمد أمام عواصف الاقتصاد وتقلباته؟ غالبًا ما يكون الذهب هو الإجابة التي تخطر ببال الكثيرين. هذا المعدن النفيس، الذي لا يفقد بريقه أبدًا في قلوب المصريين، يمثل للبعض حصنًا ضد التضخم، وللبعض الآخر زينة لا غنى عنها، أو حتى هدية تحمل في طياتها الكثير من المشاعر والآمال. لكن، ماذا لو قلنا لك إن هذا البريق شهد اليوم تراجعًا طفيفًا، كأنه استراحة محارب بعد فترة من الصعود المتواصل؟
في تطور مفاجئ على الساحة الاقتصادية المحلية، سجلت أسعار الذهب في مصر تراجعًا ملحوظًا خلال تعاملات صباح اليوم الأربعاء، لتفقد قيمتها نحو 20 جنيهًا في الجرام الواحد. هذا الانخفاض، وإن كان بسيطًا في ظاهره، إلا أنه ألقى بظلاله على مزاج السوق، ودفع بالكثيرين للتساؤل: هل حان الوقت للشراء أم أن هذا التراجع مجرد هدوء يسبق عاصفة أخرى؟
دعنا نتعمق في الأرقام التي أفرزتها شاشات البورصات المحلية. عيار 21، الشريان الأساسي لسوق الذهب في مصر والأكثر تداولًا بين المستهلكين، سجل مستوى 5080 جنيهًا. أما الذهب عيار 24، الذي يمثل النقاء الأعلى ويُفضل عادة في السبائك والاستثمارات الكبرى، فقد بلغ سعره 5805 جنيهات. وبالنسبة لعيار 18، الذي يجد طريقه في المشغولات الذهبية ذات التفاصيل الدقيقة، فقد وصل إلى 4354 جنيهًا. وحتى العيار الأقل، عيار 14، لم يسلم من هذا الانخفاض، مسجلًا 3386 جنيهًا.
ولم يقتصر التأثر على الجرامات فحسب، بل امتد ليطال العملة الذهبية الأشهر في السوق المصري. الجنيه الذهب، الذي يعد خيارًا شائعًا للادخار ويساوي ثمانية جرامات من عيار 21، بلغت قيمته 40640 جنيهًا، وذلك قبل احتساب أي مصنعية أو دمغة أو ضرائب. وعلى الصعيد العالمي، حيث تتأثر أسعار الذهب بشكل مباشر بالعوامل الاقتصادية والسياسية الدولية، سجلت الأوقية (الأونصة)، التي تعادل نحو 31.1 جرام من الذهب عيار 24، قيمة 3764 دولارًا في البورصات العالمية. هذا الارتباط بين السوق المحلي والعالمي يذكرنا دائمًا بأن الذهب مرآة تعكس أحداث العالم، وأن أسعاره ليست بمعزل عن التحركات الكبرى.
لكن، وقبل أن تهرع إلى أقرب صائغ لتستفيد من هذا الانخفاض، دعنا نتحدث بصراحة عن نقطة مهمة قد يغفلها الكثيرون، وهي “المصنعية”. أصل يا جماعة، السعر اللي بنشوفه في الجرائد أو على شاشات المحلات ده مش السعر النهائي اللي بتدفع بيه. لازم نضيف عليه حاجة اسمها “مصنعية” و”دمغة”، ودي تعتبر أجر الصائغ مقابل شغله وتكاليف التصنيع. يعني من الآخر، القيمة دي بتتضاف على كل جرام بتشتريه. متوسط المصنعية والدمغة دي بتتراوح بين 60 و700 جنيه على كل جرام، وده بيختلف حسب نوع المشغولة ووزنها وكمان الصائغ نفسه.
وبعد إضافة قيمة المصنعية والدمغة، اللي هي أساسية في أي عملية شراء للمشغولات الذهبية، تتغير الأرقام قليلًا. فالجرام عيار 21، على سبيل المثال، يبدأ سعره من 5140 جنيهًا. وعيار 18 يصل إلى 4414 جنيهًا، بينما يسجل عيار 14 نحو 3446 جنيهًا. والموضوع ده يا معلم مش ثابت، يعني هتلاقي فروق بسيطة بين محل صاغة والتاني، أو بين محافظة والتانية، وحتى بين تاجر وتاجر. غالبًا، المصنعية دي بتكون نسبة بتتراوح بين 7% و10% من سعر جرام الذهب الأساسي. وده بيخليك تفكر كويس قبل ما تشتري، إنك تسأل وتستفسر عن إجمالي السعر شامل المصنعية.
طب ولو حبيت تبيع الذهب اللي عندك؟ هنا برضه في تفصيلة صغيرة لازم تاخد بالك منها. لما بتيجي تبيع أي مشغولات ذهبية، المحل بيخصم من 1% إلى 2% من سعر الذهب. وده يعتبر طبيعي في حركة السوق، لأنه بيغطي جزء من التكاليف التشغيلية للمحل. يعني ببساطة، لازم تكون مدرك للعملية كاملة، من الشراء إلى البيع.
في النهاية، هل هذا التراجع الطفيف يمثل فرصة للمقبلين على الزواج، أو للمستثمرين الصغار الذين يبحثون عن نقطة دخول مواتية في سوق الذهب؟ أم أنه مجرد تحرك عابر في بحر من التقلبات التي اعتادها هذا المعدن الثمين؟ الذهب، بمجرد قيمته ورمزيته، يظل محور اهتمام للكثيرين في مصر، سواء كان ذلك كادخار للمستقبل، أو كهدية تحمل أثمن المعاني. هذه التغيرات اليومية في الأسعار تذكرنا بأن سوق الذهب، رغم استقراره النسبي على المدى الطويل، ليس بمنأى عن التحركات السريعة التي تتطلب متابعة وفهمًا دقيقًا. يبقى السؤال مفتوحًا: هل حان وقت إضافة المزيد من البريق إلى مدخراتك، أم أن الحذر سيد الموقف؟