حسن محمود
الذهب يتنفس الصعداء: استقرار حذر ينهي موجة التراجعات في السوق المصري
الذهب، هذا المعدن الأصفر الذي لطالما سحر العقول وأسر القلوب، ليس مجرد حُليٍّ يزين الأعناق والأيادي، بل هو ملاذ آمن للبعض، ومؤشر اقتصادي بامتياز للآخرين. فكم من مرة تابعنا أخباره بشغف، وتساءلنا: هل يصعد أم يهبط؟ وهل ما يزال يحتفظ ببريقه الأسطوري في عالم اقتصادي متقلب؟ هذا الأسبوع، وتحديدًا يوم الاثنين الموافق 22 سبتمبر 2025، شهد سوق الذهب المصري هدوءًا حذرًا، وكأنه يتنفس الصعداء بعد جولة من التراجعات التي أثارت قلق الكثيرين.
فبعد أن كانت الأنظار كلها متجهة نحو تقلبات الأسعار التي شهدها نهاية الأسبوع الماضي، والتي تسببت في هبوط قيمة عيار 21، العيار الأكثر تداولًا وشعبية بين المصريين، بنحو 40 جنيهًا دفعة واحدة – مبلغ مش قليل يا جماعة، خصوصًا للي كان ناوي يشتري أو يبيع – استقرت الأمور اليوم. هذه الاستقرارية لم تأتِ من فراغ، بل هي نتيجة تفاعل مع موجات عالمية لم يتمكن السوق المحلي من عزل نفسه عنها، لتؤكد من جديد ترابط الاقتصاديات العالمية.
فمن منا لم يسمع عن “الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي”؟ هذا البنك المركزي العملاق الذي بقراراته وحده يمكن أن يغير خريطة الاقتصاد العالمي. قراره الأخير بخفض أسعار الفائدة كان بمثابة حجر أُلقي في مياه الذهب الراكدة، لتتولد عنه أمواج تراجعات عالمية. وبطبيعة الحال، سوق الذهب المصري، الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالبورصات العالمية وعوامل العرض والطلب، لم يكن بمعزل عن هذا التأثير. الانخفاض الذي سجلته الأوقية عالميًا إثر هذا القرار، هو ما دفع أسعار الذهب لدينا للانحسار قليلًا في الأيام الماضية، قبل أن تعاود الاستقرار النسبي.
وفقًا لآخر تحديث رسمي صادر عن الشعبة العامة للذهب، والذي جاءنا خلال عطلة الصاغة الأسبوعية، حافظت أسعار المعدن النفيس على مستوياتها الراهنة. دعونا نلقي نظرة سريعة على أبرز هذه المستويات يوم الاثنين الموافق 22 سبتمبر 2025، وهي الأرقام التي يبحث عنها آلاف المواطنين بشكل يومي، سواء كانوا مقبلين على الزواج أو مستثمرين يسعون للحفاظ على قيمة مدخراتهم في ظل التحديات الاقتصادية المتغيرة.
جاءت تفاصيل الأسعار المحلية على النحو التالي:
- بلغ سعر جرام الذهب عيار 24، وهو الأقل شيوعًا في التداول اليومي لكنه الأكثر نقاءً والذي يفضله البعض في السبائك والادخار، حوالي 5622 جنيهًا مصريًا.
- أما عيار 21، قلب السوق النابض وأكثر الأنواع طلبًا واستخدامًا في المشغولات الذهبية، فقد استقر عند مستوى 4920 جنيهًا مصريًا للجرام الواحد، ليُنهي بذلك سلسلة التراجعات التي شهدها مؤخرًا.
- وسجل جرام الذهب عيار 18، والذي يفضله البعض لقلة تكلفته مقارنةً بغيره من العيارات الأخرى، حوالي 4217 جنيهًا مصريًا.
- وبالنسبة للجنيه الذهب، وهو وحدة استثمارية مهمة للكثيرين ويعد مقياسًا مهمًا لحركة السوق، فقد وصل سعره إلى 39360 جنيهًا مصريًا.
وعلى الصعيد العالمي، وبعد التراجع الذي تسببت فيه قرارات الفيدرالي الأمريكي والذي ألقى بظلاله على الأسواق كافة، شهدت الأوقية بعض التعافي الملحوظ، مسجلةً ارتفاعًا طفيفًا يوم الاثنين الموافق 22 سبتمبر 2025 لتصل إلى 3648 دولارًا أمريكيًا. هذا الارتفاع الطفيف يعكس على الأرجح محاولة السوق العالمي لاستعادة توازنه بعد الصدمة الأولية، وقد يكون مؤشرًا على مقاومة الذهب للتراجعات الكبيرة، أو ربما بداية لارتداد صعودي جديد يدعمه المتفائلون.
يا ترى، إيه معنى كل الأرقام دي بالنسبة لنا كمواطنين أو مستثمرين؟ يعني هل اللي اشترى الأيام اللي فاتت خسر؟ واللي ناوي يشتري دلوقتي فرصة كويسة؟ هذه الأسئلة تتردد في أذهان الكثيرين عند كل تغيير في أسعار المعدن الأصفر. استقرار الأسعار، حتى بعد تراجع طفيف، يُعدّ خبرًا جيدًا نسبيًا. فهو يقلل من حالة عدم اليقين التي قد تدفع المستهلكين للتأجيل أو التسرع في قراراتهم الشرائية، ويوفر نوعًا من الشفافية المؤقتة. للمستثمرين، الذهب يبقى ملاذًا تقليديًا ضد التضخم وتقلبات الأسواق، وإن كانت حركته الأخيرة تذكرنا بأن لا شيء مضمون تمامًا وأن القرارات العالمية لها تأثير مباشر وملموس على الأسواق المحلية. وبالنسبة لأسر العرائس والعرسان، هذه الأيام قد تكون فرصة لالتقاط الأنفاس وربما التخطيط لشراء الشبكة بدون ضغوط أسعار متزايدة أو متقلبة بشكل جنوني.
في النهاية، يبقى الذهب محتفظًا بمكانته الخاصة في قلوب المصريين ومحافظهم. هو ليس مجرد معدن ثمين، بل هو جزء من ثقافتنا، وملاذ لأحلامنا، وشاهد على تقلبات الزمن الاقتصادي. إن متابعة أسعاره ليست مجرد قراءة لأرقام، بل هي فهم لديناميكيات عالم معقد، يتأثر فيه سعر “جرام” في خان الخليلي بقرار يتخذ في واشنطن. فهل يستمر هذا الهدوء الحذر؟ أم أن موجات جديدة من التغيرات العالمية تنتظر بريق الذهب لتضفي عليه المزيد من الدراما والتقلبات؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة على هذه التساؤلات، تاركة لنا مهمة المراقبة والتحليل، وأحيانًا، الاستمتاع ببريق المعدن الذي لا يصدأ.
