هل تتخيل أن هناك معدناً يملك القدرة على أن يُشعل الجدل في كل بيت، ويُحرك محافظ المستثمرين، بل ويُدخل البهجة أو القلق إلى قلوب المقبلين على الزواج؟ هذا ليس خيالاً، بل هو واقع الذهب الذي نعيشه يومياً. ومع كل صباح، تتجه الأنظار إلى شاشات الأسعار، بحثاً عن إجابة للسؤال الأزلي: إلى أين تتجه أسعار المعدن الأصفر؟ في الأربعاء الرابع والعشرين من سبتمبر لعام 2025، يبدو أن الذهب قرر إجابة هذا السؤال بصوت عالٍ وواضح: صعوداً! فقد شهدت الأسواق المصرية قفزة غير مسبوقة في قيمته، حيث واصل المعدن الأصفر مسلسل ارتفاعاته الجنونية، محققاً مكاسب قياسية أثارت دهشة الكثيرين، وربما حسرة آخرين.
تصدر عيار 21، الشريان الأساسي لسوق الذهب المحلي والأكثر تداولاً بين الناس، قائمة هذه الارتفاعات الصاروخية. ففي يوم واحد فقط، أضاف الجرام الواحد ثمانين جنيهاً مصرياً إلى قيمته، ليتوج بذلك سلسلة من الصعود المتتالي، بمكاسب بلغت 180 جنيهاً خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية. هل تتخيل معي هذا الرقم؟ يعني بصراحة، اللي اشترى من يومين، دلوقتي ماله زاد، واللي بيشتري النهاردة، بيلحق مكسب إمبارح! الأمر أشبه بسباق محموم، وكأن الذهب يُعلن عن نفسه كملك للمدخرات والاستثمارات، لا ينازعه أحد في عرشه.
لكن ما الذي يقف وراء هذه القفزات الكبيرة؟ هل هي مجرد موجة عابرة أم أن هناك أسباباً عميقة تدفع الذهب للصعود بهذا الشكل؟ الإجابة تكمن في معادلة اقتصادية عالمية معقدة، تبدأ من واشنطن وتنعكس أصداؤها في كل صاغة بمصر. فبعد قرار البنك الفيدرالي الأمريكي الأخير بخفض أسعار الفائدة، شهدت الأسعار العالمية للذهب ارتفاعاً ملحوظاً. وكما يعلم الجميع، حين تنخفض الفائدة على الودائع والسندات، يبحث المستثمرون عن ملاذ آمن لأموالهم، ومخزن للقيمة يحميها من التضخم وتقلبات الأسواق الأخرى. وهنا يأتي دور الذهب، الذي لطالما عُرف بدوره التاريخي كدرع واقٍ في أوقات عدم اليقين الاقتصادي. يعني الناس بتشوف إن الفلوس اللي في البنك مش بتجيب عائد زي الأول، فبيقولوا: “طب ما نشتري دهب ونحوش فيه، أضمن وأوفر”.
وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن الشعبة العامة للذهب، والتي تُعد المصدر الرسمي والأساسي لتسعير المعدن الأصفر في السوق المصري، جاءت تفاصيل الأسعار على النحو التالي: سجل جرام الذهب عيار 24 النقي سعراً بلغ 5737 جنيهاً مصرياً. أما عيار 21، الأكثر شعبية وانتشاراً، فقد استقر عند حاجز 5020 جنيهاً للجرام بعد هذه الارتفاعات الأخيرة. وبالنسبة لعيار 18، الذي يفضله البعض في المشغولات الأقل وزناً، فقد وصل إلى 4302 جنيهاً. ولم يختلف الحال كثيراً بالنسبة للجنيه الذهب، الذي يُعد خياراً استثمارياً جذاباً للكثيرين، حيث قفز ليصل إلى 40160 جنيهاً مصرياً.
على الساحة الدولية، لم يكن المشهد مختلفاً؛ فقد صعد سعر الأوقية عالمياً ليلامس 3728 دولاراً أمريكياً، وهو رقم يعكس قوة الطلب العالمي وارتفاع شهية المستثمرين للملاذات الآمنة. هذا الارتفاع لم يقتصر على الذهب الخام أو المشغولات، بل امتد ليشمل السبائك الذهبية بمختلف أوزانها، التي شهدت بدورها ارتفاعاً طفيفاً متزامناً مع موجة الصعود الأخيرة، لتصبح خياراً أكثر تكلفة للمدخرين. فعلى سبيل المثال، وصل سعر سبيكة الـ 100 جرام إلى 586430 جنيهاً، بينما سجلت سبيكة الـ 50 جراماً 293310 جنيهاً، وسبيكة الأونصة (31.1 جرام) 182255 جنيهاً، وهكذا تستمر القائمة صعوداً مع الأوزان الأكبر، مؤكدة أن الذهب في طريقه ليعيد تعريف نفسه كأحد أهم أصول الثروة في هذا العقد.
طبعاً، كل هذه الأرقام تخلينا نسأل: هل الذهب فعلاً هو الملاذ الآمن الوحيد في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية؟ وهل ما زال الاستثمار فيه خياراً صائباً، أم أن هناك فقاعة قد تنفجر في أي لحظة؟ ناس كتير بدأت تقول إن الذهب بقى أغلى من اللازم، وإن في ناس بتبيع علشان تحقق مكاسب سريعة، وده ممكن يعمل تذبذب في الأسعار. والموضوع مش مجرد أرقام بنشوفها على الشاشة، لأ ده بيأثر على كل بيت مصري، من اللي بيجهز بنته، للي عايز يحافظ على قيمة فلوسه، وللي بيحاول يقتنص فرصة لتحقيق مكسب سريع. فكل قفزة في سعر الذهب هي نبض جديد في شرايين الاقتصاد، تؤثر في القرارات اليومية للأفراد والتجار على حد سواء.
في الختام، يبدو أن مسيرة الذهب الصعودية مستمرة، مدفوعة برياح التغيرات الاقتصادية العالمية وقرارات البنوك المركزية الكبرى التي تدعم جاذبيته كمخزن للقيمة. هذا المعدن النفيس، الذي ارتبط بالإنسانية منذ فجر التاريخ كرمز للثراء والقوة والأمان، يثبت يوماً بعد يوم أنه لا يزال يحتفظ ببريق خاص وقدرة فريدة على جذب الأنظار والتحكم في جزء كبير من المشهد الاقتصادي. فهل تستمر هذه الرحلة الذهبية في الصعود، أم أن نقطة التحول باتت وشيكة ومعها تغير في مسار “المعدن الأصفر”؟ الأيام القادمة وحدها من ستحمل الإجابة، ولكن المؤكد أن عيون الجميع ستظل معلقة بهذا المعدن الثمين، تنتظر الكلمة الأخيرة في قصته المثيرة التي لا تنتهي.