هل تذكرون تلك الأيام التي كان فيها الذهب يتأرجح بين صعود وهبوط بخجل؟ انسوا ذلك المشهد تمامًا! فمؤشراته اليوم في المملكة العربية السعودية تخطت كل التوقعات، معلنةً عن بداية أسبوع حافل بالارتفاعات القياسية التي لم يشهدها السوق المحلي منذ فترة. فمع بداية تعاملات يوم الاثنين الموافق 22 سبتمبر 2025، كان الذهب على موعد مع قفزة نوعية دفعت بأسعاره نحو أعلى مستوياتها، لتضع المستثمرين والتجار على حد سواء أمام مشهد اقتصادي مثير يستدعي المتابعة.
منذ اللحظات الأولى لافتتاح السوق، كان واضحًا أن المعادن الثمينة على موعد مع أداء غير مسبوق. أونصة الذهب، هذا المعيار العالمي الذي تتحدد بناءً عليه الأسعار المحلية، تجاوزت عتبة الـ 3,693 دولارًا بسلاسة، لتبدأ رحلة صعود متسارعة أعادت إلى الأذهان القمة التاريخية التي وصلتها الأربعاء الماضي. وكأن هناك طلبًا عالميًا جارفًا يدفع هذا المعدن النفيس بقوة نحو مستويات جديدة، لتتجه الأنظار نحو حاجز الـ 3,700 دولار الذي بات وشيكًا للغاية، مع مؤشرات واضحة على إمكانية تجاوزه سريعًا.
ولم يكن هذا الارتفاع مقتصرًا على الأونصة فحسب، بل امتد ليشمل جميع عيارات الذهب المتداولة في السوق السعودي، ليترك المستهلكين والمستثمرين على حد سواء يتساءلون عن الوجهة القادمة لهذه “الحمى الذهبية”. فماذا كانت الأرقام تحديدًا؟ تحديدًا، سجل سعر الغرام من الذهب عيار 24 للبيع حوالي 345.06 ريالًا سعوديًا، بينما بلغ سعر الشراء من المستهلكين 443.03 ريالًا للغرام. أما عيار 22، فقد وصل سعر البيع فيه إلى 408.04 ريالات للغرام، مع سعر شراء قدره 403.03 ريالات. وعيار 21، الذي يُعد الأكثر تداولًا وشعبية، استقر سعره للبيع عند 389.95 ريالًا، وللشراء 388.08 ريالًا. ولأصحاب الاهتمام بالعيارات الأقل، بلغ سعر البيع لعيار 18 حوالي 334.50 ريالًا، والشراء 332.01 ريالًا. بينما جاء عيار 14 بسعر بيع 259.91 ريالًا، وشراء 258.01 ريالًا. هذه الأرقام، وإن كانت تبدو تفصيلية، إلا أنها تعكس بدقة حركة السوق اليومية، وتجعلنا نفكر: “يا ترى، هل نتحمل نشتري الذهب بالأسعار دي؟”
حتى الجنيه الذهب، الذي يعد مؤشرًا آخر مهمًا في السوق المحلي، لم يسلم من هذا الصعود المدوي، حيث لامس مستوى 3,111 ريالًا سعوديًا. هذا الارتفاع ليس مجرد أرقام تُسجل على شاشات البورصة، بل هو انعكاس مباشر لحالة من الترقب والقلق التي تسود الأجواء الاقتصادية العالمية. بصراحة كده، الناس كانت مستنية ارتفاع، بس مش بالشكل ده. الواحد بقى يحس إن كل يوم بيصحى على رقم جديد.
لكن، ما الذي يقف وراء هذه القفزة المذهلة؟ هل هي مجرد حالة مؤقتة أم أن هناك عوامل أعمق تلعب دورها في إعادة تشكيل خريطة الاستثمارات؟ الواقع أن الذهب، بطبيعته كأصل آمن وملاذ استثماري، يتأثر مباشرة بالمزاج الاقتصادي العالمي. فالتوترات الجيوسياسية المتصاعدة في مناطق مختلفة من العالم، والسياسات النقدية المعقدة للبنوك المركزية الكبرى التي تسعى لتحقيق التوازن بين النمو ومكافحة التضخم، كلها عوامل تدفعه للصعود. يُضاف إلى ذلك، التوقعات المتزايدة بخفض وشيك لأسعار الفائدة الأمريكية، وهو ما يقلل من جاذبية الدولار كاستثمار ويزيد من بريق الذهب كبديل آمن وجذاب. ولن ننسى أيضًا الطلب المتزايد من البنوك المركزية العالمية نفسها، التي تسعى لتعزيز احتياطياتها من المعدن الأصفر، وهو ما يصب في مصلحة الأسعار الصاعدة ويعزز من قوته كاحتياطي استراتيجي.
والمثير في الأمر أن المؤشرات الفنية، خاصة على الفاصل الشهري، ترسم صورة أكثر إشراقًا للمستقبل. فالذهب أظهر اختراقًا واضحًا لمستويات مقاومة مفصلية، مؤذنًا ببدء موجة صعودية كبرى قد تحمل في طياتها أرقامًا غير مسبوقة وتاريخية. مع إعادة افتتاح أسواق الذهب الآسيوية، يتوقع الخبراء أن تواصل الأونصة زحفها نحو الحاجز النفسي 3,711 دولارًا، مما يعني أننا قد نشهد المزيد من الارتفاعات في السوق السعودي خلال الأيام القليلة القادمة. فهل هذا يعني أن عصر الذهب “الرخيص” قد ولى إلى غير رجعة؟
في النهاية، يبقى الذهب، ببريقه الساحر وقيمته المتوارثة عبر الأجيال، ليس مجرد سلعة تُباع وتُشترى، بل هو مرآة صادقة تعكس مخاوف العالم وآماله الاقتصادية. ارتفاع أسعاره لم يعد مجرد خبر عابر، بل هو دلالة على حالة عدم اليقين المتزايدة في المشهد العالمي، وحاجة المستثمرين الدائمة إلى ملاذ آمن يحفظ قيمة أموالهم من تقلبات الأسواق. فهل ستستمر هذه الموجة الصعودية لتدون فصولًا جديدة في تاريخ هذا المعدن النفيس؟ أم أن السوق العالمي سُيفاجئنا بتطورات غير متوقعة؟ الأيام القادمة وحدها هي الكفيلة بالإجابة، ولكن المؤكد أن الذهب لا يزال يمتلك القدرة على جذب الأنظار والتحكم في نبض الأسواق العالمية، وربما قلوب الملايين أيضًا، كشاهد أبدي على تقلبات الزمن.