في ليلة من ليالي سبتمبر، كان المستثمرون يراقبون شاشات التداول بحذر، يتابعون حركة الدولار، وكأنهم يتابعون تذبذبات نهر كبير يتغير مساره مع تغيرات الطقس السياسية والاقتصادية. فالسعر الذي استقر عند مستوى عالمي ثابت تقريبًا، يحمل في طياته الكثير من التوقعات والتحديات، خاصة مع اقتراب موعد اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في منتصف الشهر، والذي يُعدّ بمثابة مفترق طرق في السياسات النقدية الأمريكية.

بصورة أكثر دقة، اليوم الأربعاء 10 سبتمبر 2025، حافظ الدولار على استقراره بعد أن حقق مكاسب ملحوظة خلال الليل، في ظل ترقب حذر من قبل الأسواق، التي تترقب بشغف تقارير التضخم المرتقبة هذا الأسبوع. في الواقع، الهدف الرئيسي لكل المتداولين هو معرفة كيف ستكون ردود فعل التضخم على الرسوم الجمركية، والتي بدأت تفرض أثارها تدريجيًا على أسعار السلع والخدمات في أكبر اقتصاد عالمي، الولايات المتحدة.

وهناك نوع من الانتظار المشحون بين المستثمرين، وكأنهم ينتظرون إشارة من قادة البنك المركزي، لتحديد مسار الفائدة خلال الاجتماع الذي سيعقد في 16-17 سبتمبر. المثير هو أن السوق يتوقع، بشكل كبير، أن يتم الإعلان عن خفض على الأقل بمقدار ربع نقطة مئوية، أي 25 نقطة أساس، مع وجود احتمالية ضئيلة لخفض أكبر يصل إلى 50 نقطة أساس، لكن ذلك يعتمد بشكل كبير على نتائج بيانات التضخم التي ستصدر لاحقًا هذا الأسبوع.

تقرير الوظائف المخيب للآمال، الذي صدر الأسبوع الماضي، لعب دورًا كبيرًا في توجيه السوق نحو احتمال حدوث خفض للفائدة، حتى وإن كان بشكل تدريجي، مراعيًا الحالة الاقتصادية التي يبدو أنها تخبرنا أن المرحلة الحالية تتطلب تريثًا وتقييمًا حذرًا. فبحسب الخبراء، إن مجرد إصدار تقرير يُظهر تراجعًا في خلق الوظائف، يعزز من احتمالات التيسير النقدي، ولكن إلى أي مدى يمكن أن نستفيد من هذا التحول؟

المتداولون والمتابعون يركزون الآن على بيانات التضخم التي ستصدر، ففي الأربعاء ننتظر نتائج أسعار المنتجين، وفي الخميس نترقب بيانات تضخم أسعار المستهلكين. كل نقطة من هذه البيانات ستشكل جزءًا من المعادلة التي ستحدد ما إذا كانت الأسواق ستنحني إلى اليسار أو إلى اليمين.

لكن السؤال الذي يطرحه البعض هو: هل يمكن أن يكون هناك مفاجأة غير متوقعة تغير موازين الأمور؟ كيران ويليامز، رئيس قسم الفوركس الآسيوي في شركة InTouch Capital Markets، يعبر عن رأيه حين يقول إن “المتطلبات اللازمة لخفض 50 نقطة أساس مرتفعة بشكل كبير، وستتطلب مفاجأة سلبية واضحة في التضخم الأساسي لإعطاء صناع القرار مجالًا للمناورة”. بمعنى آخر، أن السوق يجب أن يكون واضحًا تمامًا حول مسار التضخم، وأن الأمور لا يمكن أن تتغير فجأة لمصلحة قفزة كبيرة في الخفض.

وفي ظل هذا الجو المشحون بالتوقعات، تستمر العملات في التذبذب. خلال التداولات الآسيوية، تراجع اليورو قليلًا إلى 1.16985 دولار، بعد أن انخفض بنسبة نصف في المئة في الجلسة السابقة، والجنيه الإسترليني ظل ثابتًا عند مستوى 1.3522 دولار، بينما لم يتغير سعر الين كثيرًا، إذ استقر عند 147.42 ين للدولار. أما الدولار الأسترالي، فبلغ سعره 0.6587 دولار، وهو قريب من أعلى مستوى له في سبعة أسابيع سجله الثلاثاء.

عند محاولة تقييم الصورة بشكل أوسع، نجد أن مؤشر الدولار، الذي يقيس قوة العملة الأميركية مقابل ست عملات رئيسية، استقر عند 97.834 نقطة، بعد أن سجل ارتفاعًا محدودًا بنسبة 0.3%، إلا أن الأداء العام للعملة الأمريكية خلال العام 2025 يعكس تراجعًا ملحوظًا يقترب من 10%، وهو تراجع يعكس حالة من التقلبات في السياسات التجارية الأمريكية وتوقعات خفض الفائدة، مما أضعف من جاذبية الدولار عالميًا.

ميزة سوق العملات هنا أن الصورة ليست سوداء وبيضاء فقط، فالأوضاع تتغير بوتيرة سريعة، وتخضع للبيانات الاقتصادية والتحركات السياسية. والأمر المثير أن السوق يتعامل الآن بقدر من الحذر، وكأنه يترقب بصيص أمل أو خوف من مفاجأة قد تطيح بكل التوقعات. هل يمكن أن نشهد انخفاضًا أكبر، أم أن السوق سيظل يتلمس طريقه وسط ضبابية الأفق؟

أما على آخر المستويات المصرفية، فقد استقر سعر الدولار في البنوك المصرية، وتحديدًا في البنك الأهلي المصري، عند حوالي 48 جنيهًا للبيع والشراء، وهو سعر عالمي يتفاوت قليلاً من بنك لآخر، لكن الإجماع على الاستقرار قائم حتى اللحظة. المصريون باختصار، يتركون الأمر للمصادفة، وكل ما يطمحون إليه هو استقرار سعر العملة أمام الجنيه، كي يستطيعوا وضع خطة لمواجهة ارتفاع الأسعار وتدهور قيمة المدخرات.

في النهاية، يبقى السؤال المسبب للقلق هو: كيف ستؤول الأمور بعد إعلان بيانات التضخم، وهل ستتغير موازين القرب أو البعد عن توقعات الأسواق؟ هناك من يراهن على أن الأسواق ستظل متقلبة لأشهر، وربما حتى عندما تتضح الصورة، فالتوقعات دائمًا تظل معرضة للمفاجآت. لكن، في ذات الوقت، يظل فهم السياسات الاقتصادية وقراءة البيانات وتوقع ردود الفعل، هو السبيل الوحيد لطمأنة المستثمرين والمستهلكين على حد سواء، والتأكد من أن الاقتصاد العالمي، رغم تعقيده، هو بمثابة سفينة تتجه بشكل عام نحو بر الأمان، مهما كانت العواصف التي تهب من حولها.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.