عندما يلتقي هدوء الجنيه المصري بصخب الدولار العالمي: حكاية يوم واحد في أسواق المال
ما الذي يشغل بال المصريين أكثر من سعر الدولار؟ سؤال يتردد في كل بيت، وفي كل نقاش اقتصادي، وكأن العملة الخضراء هي البوصلة التي تحدد اتجاه حياتنا اليومية. وفي خضم هذا الاهتمام المتواصل، جاء يوم الخميس الموافق 2 أكتوبر 2025 ليحمل معه قصة مزدوجة؛ هدوء حذر في الساحة المحلية، وصخب غير متوقع في أروقة الأسواق العالمية. فماذا حدث بالضبط؟ وهل هناك ما يدعو للتفاؤل، أم للقلق؟
في مصر، بدت الأمور وكأنها ترتدي ثوب الهدوء النسبي. استقرت أسعار صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري في كافة البنوك، محافظة على نفس مستوياتها التي اختتمت بها تعاملات يوم الأربعاء. كانت هذه لحظة من الثبات، أو قل “هدنة اقتصادية” مؤقتة، حيث لم تشهد الشاشات أي قفزات مفاجئة أو تراجعات مقلقة. مثلاً، في أغلب البنوك الكبرى مثل البنك الأهلي المصري وبنك مصر وبنك قناة السويس، سجل سعر الشراء 47.82 جنيه، وسعر البيع 47.92 جنيه. وحتى البنوك التي قدمت فروقاً طفيفة، كبنك الإسكندرية وبنك الكويت الوطني (47.80 للشراء و 47.90 للبيع)، ومصرف أبوظبي الإسلامي الذي قدم سعراً أعلى نسبياً (48.03 للشراء و 48.12 للبيع)، لم تكسر هذا السياق العام من الاستقرار. يعني من الآخر، أغلب الناس صحيوا يوم الخميس لقوا الدولار محلك سر، وده في حد ذاته خبر مريح وسط التقلبات اللي بنشوفها كل يوم.
لكن، إذا كانت القاهرة تنعم بنوع من الهدوء، فإن الأسواق العالمية كانت تغلي على مهل. استعاد الدولار الأمريكي عافيته بشكل ملحوظ في تعاملات آسيا المبكرة لذات اليوم، في انتفاضة لافتة بعد أربعة أيام متتالية من الخسائر. والسؤال هنا: ما الذي أثار هذه الصحوة العالمية للدولار؟ الإجابة جاءت من خلف الأطلسي، وبالتحديد من أروقة المحكمة العليا الأمريكية.
تفاصيل القصة بدأت تتكشف عندما أعلنت المحكمة العليا في واشنطن أنها ستستمع إلى المرافعات في يناير المقبل بخصوص محاولة الرئيس السابق دونالد ترامب إقالة محافظ الاحتياطي الفيدرالي، ليزا كوك. هذا القرار، وإن كان يبدو إجرائياً بحتاً، إلا أنه أبقى السيدة كوك في منصبها مؤقتاً، مما أرسل رسالة طمأنة واضحة إلى الأسواق. الفيدرالي الأمريكي، بصفته البنك المركزي لأقوى اقتصاد في العالم، يعتمد على استقلاليته بشكل كبير، وأي تهديد لهذه الاستقلالية يثير قلق المستثمرين. تخيل مثلاً أن حكماً رياضياً يتم تغييره فجأة في منتصف مباراة حاسمة؛ بالطبع سيؤثر ذلك على ثقة اللاعبين والمشجعين. هذا بالضبط ما كانت تخشاه الأسواق، ولكن قرار المحكمة بدد هذه المخاوف ولو إلى حين.
كان رد فعل الأسواق فورياً وملموساً. فقد ارتفع مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة من ست عملات رئيسية أخرى، بنسبة 0.1% ليصل إلى 97.80 نقطة. تعليقاً على هذا التطور، أشار توني سايكامور، محلل الأسواق المخضرم في شركة “IG” بسيدني، إلى أن “القلق بشأن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي يتراجع إلى الخلفية خلال الأشهر المقبلة”. وأضاف سايكامور بوضوح أن “الأسواق الآن في حالة توقف نسبي عن البيانات المحفزة حتى 13 أكتوبر المقبل”، مما يعكس ترقب المستثمرين لتداعيات إغلاق الحكومة الأمريكية المحتمل على البيانات الاقتصادية المقبلة. ببساطة، العالم كان بيتنفس الصعداء شوية، بس عينهم على اللي جاي.
على صعيد العملات الأخرى، بدا الدولار وكأنه يستعيد هيمنته شيئاً فشيئاً. فقد ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الين الياباني بنسبة 0.2%، ليصل إلى 147.305 ين. كذلك، صعد الدولار أمام اليوان الصيني خارج البر الرئيسي بنسبة 0.1% ليلامس 7.13 يوان، وذلك في ظل إغلاق الأسواق الصينية احتفالاً بعطلة الأسبوع الذهبي. أما في أوروبا، فاستقر اليورو عند 1.1725 دولار، مسجلاً تراجعاً طفيفاً بنسبة 0.04%. هذا الانخفاض جاء بعد تقارير لصحيفة وول ستريت جورنال تشير إلى أن الولايات المتحدة قدمت معلومات استخباراتية لأوكرانيا لضرب البنية التحتية للطاقة في روسيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى، مما يضيف بعداً جيوسياسياً معقداً إلى معادلة العملات. في المقابل، حافظ الجنيه الإسترليني على ثباته عند 1.3474 دولار. أما الدولاران الأسترالي والنيوزيلندي، فتراجعا بشكل طفيف أو بقيا دون تغيير يذكر في التداولات المبكرة.
في الختام، يوم الخميس 2 أكتوبر 2025 كان يوماً يحمل في طياته دروساً اقتصادية متعددة. فبينما كانت الأسواق المحلية في مصر تتنفس الصعداء بفضل استقرار نسبي لسعر الدولار، كانت ساحات المال العالمية تشهد ديناميكية أكبر، مدفوعة بقرارات قضائية أمريكية ذات تأثير عميق على استقلالية السياسة النقدية. هذه الأحداث تذكرنا بأن اقتصادنا المحلي، بغض النظر عن محاولاتنا لعزله، هو جزء لا يتجزأ من منظومة عالمية متشابكة. أي حركة في المحكمة العليا بواشنطن، أو أي تقرير استخباراتي ينشر في صحيفة دولية، يمكن أن يرسل موجات ترتد إلى أسواقنا. إيه ده؟ هو العالم كله ماسك في بعضه كده؟ أيوه بالظبط، وده اللي بيخلي متابعة الأخبار الاقتصادية مش مجرد رفاهية، بل ضرورة لفهم المسار الذي تسير فيه حياتنا ومستقبلنا المالي. فهل تستمر هذه الهدنة المحلية، أم أن صخب العالم سيفرض كلمته قريباً؟ الأيام القادمة وحدها من ستجيب.