يا صديقي، هل فكرت يوماً كيف تتراقص العملات العالمية على وقع الكلمات؟ كيف يمكن لخطاب واحد من مسؤول مالي أن يهز أسواقاً بمليارات الدولارات، أو أن يرسخ هدوءً مشوباً بالترقب؟ هذا بالضبط ما عشناه في صباح يوم الاثنين الباكر، الموافق الثاني والعشرين من سبتمبر لعام 2025، حيث بدا الدولار الأمريكي كصخرة ثابتة ظاهرياً، لكنه في الحقيقة كان يستعد لرحلة مليئة بالتقلبات، بانتظار عاصفة من الخطابات التي قد ترسم ملامح مستقبل أسعار الفائدة.

المشهد العام كان أشبه بـ “هدوء ما قبل العاصفة” في أسواق آسيا. بعد أسبوع صاخب شهد قرارات متضاربة من عمالقة البنوك المركزية: الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بنك إنجلترا، وبنك اليابان، استيقظ المستثمرون على وتيرة أبطأ، لكنها لم تخلُ من الحذر. كل عين كانت ترقب مؤشرات جديدة، وكل أذن كانت تستعد لالتقاط إشارات خفية قد تحدد مسار استثماراتهم. بالبلدي كده، الكل كان بيقول: “يا ترى إيه اللي مستنينا؟”

لنبدأ بالين الياباني، الذي كان هو الآخر في مهب الريح. بعد مكاسب حققها يوم الجمعة إثر تصريحات أكثر “تشدداً” من بنك اليابان المركزي، والتي أثارت شهية الأسواق لرفع وشيك في أسعار الفائدة، عاد لينخفض بنسبة 0.16%، ليستقر عند مستوى 148.22 مقابل الدولار. هل كان ذلك مجرد رقصة أخيرة قبل العودة للواقع؟ أم أن الأسواق تعيد تقييم مدى جدية بنك اليابان في المضي قدماً نحو سياسة نقدية أكثر صرامة؟ هذا التراجع كشف عن حساسيتها الشديدة لأي تلميح، مما يجعلنا نتساءل عن مدى ثقة المستثمرين في استدامة أي انتعاش.

وعلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية، تحديداً في بريطانيا، كانت الأجواء أكثر ضبابية بالنسبة للجنيه الإسترليني. هبطت العملة البريطانية إلى أدنى مستوى لها في أسبوعين، مسجلة 1.3458 دولار. ما الأسباب يا ترى؟ عوامل متعددة تضافرت لتشكل هذه الضغوط، أبرزها ارتفاع مستويات الاقتراض الحكومي في المملكة المتحدة، بالإضافة إلى قرار بنك إنجلترا الأخير بشأن أسعار الفائدة. هذا الموقف المعقد يضع البنك المركزي البريطاني في مأزق حقيقي، فكيف له أن يوازن بين دعم النمو الاقتصادي، الذي عادة ما يتطلب سياسات تيسيرية، وبين لجم التضخم المتصاعد، الذي يستدعي سياسات تشديدية؟ يبدو أن الإسترليني سيظل تحت مجهر الضغط خلال الخريف وما بعده، والكل يترقب كيف ستفك هذه العقدة.

في خضم هذه التقلبات، شهد الدولار الأمريكي انتعاشاً طفيفاً، معوضاً بعض الخسائر التي تكبدها الأسبوع الماضي بعد قرار الاحتياطي الفيدرالي بخفض الفائدة. ارتفع مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الخضراء مقابل سلة من العملات الرئيسية، بشكل طفيف ليبلغ 97.75 نقطة. في المقابل، تراجع اليورو بنسبة 0.07% ليصل إلى 1.1738 دولار، بينما انخفض الدولار الأسترالي بنسبة 0.02% مسجلاً 0.6589 دولار. هي دي الحكاية ببساطة: الدولار بيحاول يرجع نفسه تاني بالراحة بعد “الخبطة” اللي أخدها من قرار خفض الفائدة.

لكن المحور الأهم، والنقطة المركزية التي تدور حولها الأنظار كلها، هي سلسلة الخطابات المنتظرة لما يقرب من عشرة مسؤولين من مجلس الاحتياطي الفيدرالي. تخيل معي، عشرة أصوات، قد يحمل كل منها نبرة مختلفة، قد يحمل كل منها تفسيراً مغايراً لقرار خفض الفائدة الأخير. من بين هؤلاء، يبرز صوت رئيس المجلس، جيروم باول، الذي ستكون كلماته ذات ثقل خاص. هذه الخطابات لا تمثل مجرد إعلانات روتينية، بل ستكون اختباراً حقيقياً لمدى وضوح رؤية البنك المركزي الأمريكي بشأن مسار التضخم المستقبلي، ومدى استقلاليته في صياغة سياسته النقدية.

ولا يمكننا أن نغفل عضواً جديداً في المجلس، السيد ستيفن ميران، الذي أثار جدلاً واسعاً بعد تصويته لصالح خفض أكبر للفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماع سبتمبر الماضي، وهو ما تجاوز قرار المجلس الرسمي بخفض أقل. الأنظار كلها تتجه إليه، وبشكل خاص، ننتظر أن يقدم شرحاً مفصلاً لموقفه الذي بدا “منفرداً”. هل سيقدم رؤية جديدة تماماً؟ أم أنه سيؤكد على قناعته التي قد تخلق انقساماً أكبر داخل المجلس؟ يا ترى إيه الحكاية بالظبط؟

وفي آسيا، كانت الصين، كعادتها، تغرد خارج السرب إلى حد كبير. فقد ثبت بنك الشعب الصيني أسعار الفائدة المرجعية للإقراض للشهر الرابع على التوالي في سبتمبر، وهو ما جاء متماشياً مع توقعات السوق. وظل اليوان الصيني مستقراً نسبياً في المعاملات الخارجية، مرتفعاً بنسبة 0.06% ليبلغ 7.1151 مقابل الدولار. وكأن الصين ترسل رسالة مفادها: “نحن نسير بخطى ثابتة، بغض النظر عن الضجيج الخارجي”.

في الختام، ما شهدناه في صباح هذا الاثنين كان أكثر من مجرد تحركات عادية في أسواق المال. إنه مشهد مصغر للصراع المستمر بين التوقعات والواقع، بين قرارات البنوك المركزية التي تحاول توجيه دفة الاقتصادات العالمية، وبين ردود فعل الأسواق التي قد لا تتبع المنطق دائماً. هذه اللعبة المعقدة، التي يتقنها الكبار، تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على حياتنا اليومية: على أسعار السلع، على فرص العمل، وعلى قيمة مدخراتنا. كل قرار، وكل خطاب، وكل نقطة أساس يتم تحريكها، ليست مجرد أرقام على الشاشات، بل هي نبض اقتصادي قد يحدد مسار الأشهر القادمة. والآن، يبقى السؤال: هل ستحمل خطابات الفيدرالي المنتظرة الإجابات التي تبحث عنها الأسواق، أم أنها ستضيف المزيد من الغموض إلى مشهد عالمي لا يزال يفتقر إلى الاستقرار؟ “ما حدش يقدر يقول أكيد، بس لازم نكون صاحيين”.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.