في عالم تتنافس فيه الدول على استقطاب رؤوس الأموال، تبرز مصر كوجهة لا تخطئها العين، كالمغناطيس الذي يجذب الاستثمارات من كل حدب وصوب. لكن، ما هي السحر الخفي وراء هذا الانجذاب؟ وإلى أي القطاعات تتجه بوصلة المستثمرين الخليجيين تحديدًا؟ هذا ما كشف عنه رجل يقبع في قلب المشهد الاقتصادي المصري.
من على شاشة برنامج “عالم البيزنس” المرموق، الذي يقدمه الدكتور وليد الكلش، ألقى الأستاذ حسام هيبة، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، الضوء على ملامح خريطة الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر. حديثه لم يكن مجرد سرد للأرقام، بل كان رسمًا دقيقًا لمستقبل الاقتصاد المصري، وتأكيدًا على الفرص الكامنة التي تنتظر من يغتنمها في هذه الحقبة الواعدة.
فليست مفاجأة لأحد أن يظل القطاع العقاري والسياحي في صدارة القائمة كأكثر القطاعات جاذبية للمستثمرين من دول الخليج الشقيقة. يعني بصراحة، مين فينا ما بيحلمش ببيت على النيل أو استثمار في قرية سياحية على البحر الأحمر؟ هذا الانجذاب ليس وليد اللحظة، بل هو تراكم لعقود من الثقة في السوق المصري الذي يزخر بالإمكانيات. ويأتي بعدهما مباشرة قطاعات حيوية مثل الطاقة، والصناعة، واللوجستيات التي لا تقل أهمية في دفع عجلة التنمية. وما يثير الاهتمام حقًا، هو الصعود اللافت لقطاع تكنولوجيا المعلومات، الذي بدأ يحظى باهتمام متزايد، وكأن الجميع أدركوا أن المستقبل لمن يمتلك زمام التكنولوجيا ويستثمر فيها.
لكن مصر لم تكتفِ بالوجهات التقليدية المعهودة، بل طورت استراتيجية طموحة تستهدف ثمانية قطاعات رئيسية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، متجاوزة بذلك مجرد الاستقطاب العرضي. ويبرز من بين هذه القطاعات الواعدة قطاع السيارات والصناعات المغذية له، والذي يُقدم فيه حزمة كبيرة من الحوافز التي تجعل الاستثمار فيه فرصة لا تعوض حقًا. والناس بدأت تتكلم عن اهتمام خليجي ملحوظ بهذا المجال، فهل نشهد قريبًا تحول مصر إلى مركز إقليمي لصناعة السيارات وتجميعها؟ ولا ننسى الزراعة والصحة، اللتين تبرزان كقطاعات استراتيجية تستقطب رؤوس أموال خليجية متزايدة، مما يعكس وعيًا متناميًا بأهمية الأمن الغذائي والرعاية الصحية كركائز أساسية للتنمية البشرية والاقتصادية المستدامة.
ولكن مهلاً، هناك جوهرة اقتصادية أخرى تستحق تسليط الضوء عليها: اللوجستيات. تخيل معي أن لديك طريقًا مباشرًا يربط بين البحر الأحمر والبحر المتوسط، مع بنية تحتية ممتازة من طرق حديثة وشبكة سكك حديد متطورة. هل هذا مجرد حلم مستقبلي؟ لا، هذا واقع مصر الذي لا يبارى. هذا الموقع الجغرافي الفريد، بالإضافة إلى الاستثمارات الهائلة في البنية التحتية، يجعل منها مركزًا لوجستيًا حيويًا بإمكانيات هائلة لاستقطاب الاستثمارات، ومنطقياً، أي مستثمر يسعى لربط أسواقه ببعضها بكفاءة عالية سيجد في مصر ضالته المنشودة. ده مش بس بيسهل حركة التجارة الدولية والإقليمية، ده بيخلق قيمة مضافة رهيبة للاقتصاد المصري ككل.
وفي تحول استراتيجي ذكي ومدروس، كشف هيبة عن خطوة جديدة ومهمة للهيئة، تعكس رؤية أعمق وأشمل للتنمية. فبعد أن كانت غالبية الاستثمارات العقارية تتجه نحو السواحل الساحرة، بدأ توجيه المستثمرين الخليجيين نحو الفرص العقارية الثرية في المحافظات الداخلية. ده معناه إيه؟ معناه إن الفرص الاستثمارية مش هتكون مقتصرة على أماكن معينة، وده بيفتح أبوابًا جديدة للتنمية الشاملة، ويخلق قيمة مضافة في مناطق ربما لم تحظ بالاهتمام الكافي من قبل. إنها خطوة ذكية تنم عن رؤية مستقبلية لعدالة التوزيع الاقتصادي وتوسيع قاعدة النمو.
ولتعزيز هذه الشراكة الاستثمارية الوثيقة، تعمل مصر بجد على نسج شبكة من الاتفاقيات المحكمة والفاعلة. تم توقيع اتفاقيات لدعم وتعزيز الاستثمارات مع المملكة العربية السعودية، وهناك اتفاقية مماثلة مع الإمارات العربية المتحدة في مراحلها النهائية، في طريقها للاكتمال. الهدف الأسمى ليس فقط جلب الاستثمارات العابرة، بل ضمان استدامتها واستمراريتها، لتصبح شراكة استراتيجية طويلة الأمد تعود بالنفع على الجميع. وليس أدل على قوة هذه العلاقات المتجذرة من استضافة مصر لأكبر تجمع لرجال الأعمال السعوديين في مؤتمر واحد في مايو الماضي، حيث فاق عدد المشاركين 120 رجل أعمال بارز. هذا العدد الكبير يعكس تقاربًا اقتصاديًا غير مسبوق، ويدشن لمرحلة جديدة من الاستثمارات المشتركة والمثمرة بين البلدين الشقيقين.
ولكي نكون منصفين، لا يمكن الحديث عن هذه الرؤى الاقتصادية الطموحة دون الإشارة إلى المنبر الإعلامي المتميز الذي انطلقت منه. برنامج “عالم البيزنس” مع الدكتور وليد الكلش، لا يمثل مجرد نافذة إعلامية عابرة، بل هو محطة مهمة استضافت وزراء وشخصيات رفيعة المستوى من شتى الدول، مقدمًا رؤى وتحليلات عميقة. ويعتبر الدكتور الكلش نفسه علامة فارقة في المشهد الإعلامي، كأول إعلامي سعودي وخليجي يقود دفة إعداد وتقديم برنامج بهذا الحجم في مصر وعلى قناة غير سعودية. وهذا بحد ذاته يعكس عمق العلاقات والتبادل الثقافي والإعلامي بين الأشقاء، ويعزز جسور التواصل والتفاهم.
إن هذه التصريحات ليست مجرد بيانات صحفية تُعلن في مؤتمر عابر، بل هي خارطة طريق واضحة المعالم لمستقبل الاستثمار في مصر. إنها تؤكد على أن مصر لا تكتفي بتقديم الحوافز التقليدية، بل تعمل بدأب على تطوير بيئة استثمارية متكاملة وجاذبة، تستفيد من موقعها الاستراتيجي، بنيتها التحتية المتطورة، وتنوع قطاعاتها الاقتصادية الغني. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل نحن أمام قفزة نوعية حقيقية في الاقتصاد المصري؟ وهل ستنجح هذه الجهود المتضافرة في ترسيخ مكانة مصر كمركز استثماري إقليمي ودولي لا غنى عنه؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة، ولكن المؤشرات الأولية تبعث على التفاؤل العارم، وتشي بأن المستقبل يحمل الكثير لمصر ولمن يؤمن بإمكانياتها الكامنة. يعني الخلاصة، مصر بتلعب صح، والنتائج الإيجابية هتبان قريبًا.