هل يمكن للسوق أن يقف ثابتًا بينما تتجاذبه قوى متضاربة بشدة؟ هذا هو السؤال الذي طرحته الأسواق الأوروبية على نفسها يوم الاثنين الماضي، في مشهد أقرب إلى حبل شد يتنافس فيه فريقان متفوقان. وبينما أظهرت المؤشرات الرئيسية نوعًا من الاستقرار الهادئ على السطح، كانت التفاصيل داخل هذا المشهد الاقتصادي المعقد تكشف عن صراعات خفية، وقصص نجاح غير متوقعة، وصدمات عابرة، كلها بانتظار كلمة واحدة من البنك المركزي الأمريكي.
في هذا اليوم، الذي كان حافلًا بالترقّب والتقلبات المبطّنة، استقرت الأسهم الأوروبية بشكل عام. المؤشر الأوروبي الأشمل “ستوكس 600” أُغلق عند مستوى 553.9 نقطة تقريبًا بحلول الساعة السابعة وسبع دقائق صباحًا بتوقيت جرينتش. لكن هذا الاستقرار لم يكن انعكاسًا لحالة هدوء شاملة، بل كان أشبه بنتيجة لمعادلة معقدة حيث تعادلت الكفتان. فمن ناحية، كانت مكاسب قطاع التكنولوجيا هي الداعم الأساسي الذي منع المؤشر من الانزلاق، بينما كانت خسائر قوية في قطاع صناعة السيارات تُهدد بسحبه للأسفل. وبالطبع، لا يمكننا أن نغفل الدور المحوري الذي تلعبه تصريحات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والتي كانت مثل شبح يطارد المتداولين، ويُبقي الجميع على أهبة الاستعداد لترقب أي إشارة قد ترسم ملامح المستقبل.
وإذا ألقينا نظرة أقرب، سنجد أن الأداء لم يكن متجانسًا عبر القارة. الأسهم الإسبانية، على سبيل المثال، شهدت تراجعًا بنسبة 0.9 في المائة، لتُسجل أداءً أقل من بقية الأسواق الأوروبية. وهو ما قد يدفعنا للتساؤل، هل كانت هناك عوامل محلية خاصة تؤثر عليها؟ أم أن تأثيرها لم يكن كبيرًا بما يكفي ليُغير الصورة العامة للسوق الأوروبي؟ بصراحة يعني، دايماً فيه كده حتت في السوق ماشية عكس التيار شوية، بس المهم هو إيه التأثير الكلي.
لكن القصة الحقيقية للصراع كانت تدور رحاها بين عملاقين اقتصاديين: قطاع السيارات المرموق وقطاع التكنولوجيا الصاعد. في الجانب المتراجع، نجد أسهم شركات السيارات الفاخرة التي تلقت ضربات موجعة. “بورشه” الألمانية، على سبيل المثال، هوت أسهمها بنسبة 4.7 في المائة. والسبب ليس بالبسيط؛ فقد قامت الشركة بتخفيض توقعاتها لأرباح عام 2025، وهو أمر لا يبشر بالخير للمستثمرين. ليس هذا فحسب، بل إنها أرجأت خططها لإطلاق سياراتها الكهربائية الجديدة، معللة ذلك بضعف الطلب. هل هذا يعني أن حلم السيارات الكهربائية الفارهة يواجه رياحًا معاكسة؟ وهل المستهلك بات أقل حماسًا لدفع مبالغ طائلة مقابل هذه التكنولوجيا؟
ولم تكن “بورشه” وحدها في هذا المأزق. فـ”فولكس فاجن”، الشركة الأم لها، لم تكن أفضل حالًا، حيث انخفضت أسهمها بنسبة 4.5 في المائة، هي الأخرى خفضت توقعاتها لأرباح عام 2025. هذه الأخبار تُسلط الضوء على تحديات كبيرة تواجه صناعة السيارات التقليدية في مرحلة التحول نحو الكهرباء، ليس فقط على مستوى التكلفة والإنتاج، بل أيضًا على مستوى تقبل المستهلكين لهذه التغييرات في ظل ظروف اقتصادية عالمية متقلبة. يعني باختصار كده، الصناعة دي بتعدي بمرحلة صعبة ومحدش عارف هتوصل لفين.
في المقابل، كانت شركات التكنولوجيا هي بطلة اليوم بلا منازع، فكانت بمثابة القوة الدافعة التي حافظت على توازن السوق. فقد ارتفعت أسهم هذا القطاع الواعد بنسبة 0.9 في المائة. وكمثال على هذا الصعود، شهدنا تقدمًا ملحوظًا لشركتي صناعة الرقائق “إيه إس إم إل” و”إيه إس إم آي”، حيث قفزت أسهم الأولى بنسبة 2.9 في المائة، والثانية بنسبة 1.9 في المائة. هذا الأداء القوي يؤكد مجددًا على الدور الحيوي الذي يلعبه قطاع التكنولوجيا في الاقتصاد العالمي، وقدرته على الصمود بل والنمو حتى في الأوقات التي تشهد فيها قطاعات أخرى تراجعًا. هو ده بقى اللي الناس بتقول عليه “تكنولوجيا المستقبل”.
لكن دعونا لا ننسى أن الأسواق دائمًا ما تُخفي مفاجآتها، وأن الارتفاعات والهبوطات الكبيرة يمكن أن تحدث لأسباب غير متوقعة. ففي هذا اليوم بالذات، سجل سهم شركة “فوغرو” الهولندية انخفاضًا حادًا بلغ 11.9 في المائة. هذه الشركة المتخصصة في البيانات الجغرافية سحبت توقعاتها السنوية، مشيرة إلى حدوث “تغيرات كبيرة” في ظروف السوق خلال الأسابيع الأخيرة. وهو ما يُذكرنا بأن أي شركة، مهما بدت مستقرة، يمكن أن تتأثر بظروف السوق المتغيرة بسرعة، وأن الشفافية في الإعلان عن هذه التغيرات أمر بالغ الأهمية.
وبينما كانت هذه الدراما الاقتصادية تتكشف على أرض الواقع، كانت عيون المستثمرين وقلوبهم معلقة بالاحتياطي الفيدرالي. فمن المتوقع أن يدلي خمسة مسؤولين على الأقل في البنك المركزي بتصريحات حاسمة في وقت لاحق من اليوم، من بينهم رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، جون ويليامز، والمحافظ المعين حديثًا، ستيفن ميران. هذه التصريحات ليست مجرد كلمات، بل هي بوصلة تُحدد الاتجاه المستقبلي للسياسة النقدية، والتي بدورها تؤثر بشكل مباشر على أسعار الفائدة، وبالتالي على تكلفة الاقتراض للشركات والأفراد، وعلى جاذبية الاستثمار في الأسهم مقابل السندات. الكل كان بيستنى يسمع صوتهم بفارغ الصبر.
في الختام، يُمكننا القول إن يوم الاثنين الماضي لم يكن يومًا عاديًا في الأسواق الأوروبية. لقد كان درسًا واضحًا في ديناميكية السوق، حيث تتفاعل القوى المتضاربة لتخلق توازنًا هشًا. لقد رأينا كيف يمكن لقطاع أن يعوض تراجع قطاع آخر، وكيف يمكن لأخبار شركة واحدة أن تهز استقرارها، وكيف أن كلمة من مسؤول في بنك مركزي يمكن أن تُغير مسار الملايين. فما الذي يمكن أن نستنتجه من هذا المشهد المعقد؟ ربما أن المرونة والتكيف هما مفتاح النجاح في عالم اقتصادي لا يتوقف عن الحركة والتغيير. وفي النهاية، كل هذا بيأثر علينا إحنا كمان، حتى لو بنتابع من بعيد، لأن حركة السوق دي بتعكس حاجات كتير بتحصل في الاقتصاد الحقيقي.