في باطن الأرض المصرية، لا تزال هناك كنوز تنتظر أن تُكتشف، كنوز قد لا تكون براقة كالذهب الخالص فحسب، بل هي محركات صامتة قادرة على قلب الموازين الاقتصادية لبلادنا. إنها ثورة صامتة تتشكل في أعماق الصحراء والجبال، ترسم ملامح مستقبل اقتصادي جديد لمصر، بعيداً عن الاعتماد على مصادر الدخل التقليدية، وتواجه تقلبات عالم باتت فيه الأزمات هي القاعدة وليست الاستثناء.
لم تعد الرؤية الاقتصادية للدولة المصرية قاصرة على مجرد سد الاحتياجات، بل اتسعت لتشمل طموحاً استراتيجياً عميقاً نحو تنويع مصادر الإيرادات وتعزيز المكانة الاقتصادية إقليمياً ودولياً. وفي قلب هذه الرؤية المتجددة، يبرز قطاع التعدين كجوهرة غير مصقولة تنتظر الاستثمار الأمثل. فالاهتمام المتزايد باستكشافات الذهب والفضة والنحاس والفحم، ليس مجرد حديث عن المعادن، بل هو حديث عن العملات الصعبة، عن فرص العمل، عن تقليل فاتورة الاستيراد الباهظة، وعن تأسيس بنية تحتية اقتصادية أكثر مرونة وقوة.
طيب، إيه الحكاية بالظبط؟ الدكتور محمد عبد الهادي، الخبير الاقتصادي، يشرح لنا الأمر بوضوح. هو يؤكد أن هذا التوجه ليس عشوائياً، بل هو جزء من استراتيجية حكومية مدروسة بعناية لزيادة الإيرادات الوطنية، خاصة وأن المعادن الثمينة تُعد مصدراً حيوياً للعملات الأجنبية. يعني لو فكرنا فيها، مصر بتحاول تصنع سلة اقتصادية متنوعة، متشلش كل البيض في سلة واحدة زي ما بيقولوا، ده بيقلل المخاطر وبيخلي الاقتصاد أقوى.
الموضوع مش بس فلوس يا جماعة. الأستاذ عبد الهادي بيشير إلى نقطة جوهرية أخرى، وهي أن وجود هذه الثروات المعدنية المتنوعة بيشجع الشركات العالمية على ضخ استثماراتها في السوق المصرية. وده بيفتح الباب لشركات تانية كتير، سواء كانت مصرية أو أجنبية، إنها تدخل وتستثمر في عمليات الاستكشاف والإنتاج. وده طبعاً بينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد ككل، بيخلق حراك استثماري كبير. يعني، تقدر تقول إن كل استكشاف ناجح هو بمثابة دعوة مفتوحة للمستثمرين من كل حدب وصوب.
وتضع الدولة المصرية في أولوياتها أيضاً توسيع هذه الأنشطة ليس فقط لتحقيق مكاسب مالية فورية، بل لخلق فرص عمل جديدة للشباب وتقليل فاتورة الاستيراد التي ترهق الميزانية. تخيلوا معي، معادن زي الذهب والفضة والنحاس بتدخل كمدخلات أساسية في صناعات استراتيجية مهمة جداً؛ بنتكلم عن الإلكترونيات اللي بنستخدمها كل يوم، وعن قطاع الطاقة المتجددة الواعد، وعن صناعة المجوهرات اللي بتشغل أيادي كتير، وحتى في مواد البناء والإنشاءات. يعني الموضوع ده تأثيره بيمتد لكل حتة في البلد. هل ممكن لبلد عنده كل الثروات دي يستورد منتجات ممكن يصنعها محلياً؟ بالتأكيد لا!
ولكي نكون في الصورة الكاملة، مصر تسعى جاهدة من خلال هذه الخطط لأن تكون في موقع تنافسي مع دول كبرى في قطاع التعدين، أسماء زي أستراليا والصين وكندا مش بعيدة عن طموحاتنا. وهذا الطموح لا يأتي من فراغ. بصراحة كده، تزايد الطلب العالمي على المعادن، وخصوصاً بعد الأحداث الاقتصادية والسياسية الأخيرة، زي فرض رسوم جمركية أمريكية في عهد إدارة دونالد ترامب، بيعزز من أهمية هذه التوجهات. المعادن أصبحت أداة حقيقية لمواجهة الأزمات والتقلبات في السوق العالمية، سواء كانت حروب أو أزمات اقتصادية مفاجئة.
وهنا يأتي الذهب، سيد المعادن، كلاعب رئيسي في هذه الاستراتيجية. فالمعادن، وعلى رأسها الذهب، تمثل “ملاذاً آمناً” في أوقات الأزمات والاضطرابات. ألم نلاحظ كيف تتجه رؤوس الأموال للذهب حينما تشتد الأزمات العالمية؟ التوسع في الاستكشافات التعدينية، وخاصة الذهب، ليس مجرد رفاهية، بل هو عنصر حاسم في دعم الناتج المحلي الإجمالي، وتحسين الميزان التجاري، وتقليص عجز ميزان المدفوعات. وكل ده بيصب في مصلحة استقرار العملة الوطنية، اللي كلنا حاسين بقيمتها في ظل التوترات الإقليمية الراهنة. يعني باختصار، كل جرام ذهب بنستخرجه، هو طوبة في بناء اقتصاد قوي ومستقر.
في الختام، إنها ليست مجرد صخور ومعادن تُستخرج من باطن الأرض، بل هي آمال وأحلام وطموحات لأمة بأكملها. إن التركيز على قطاع التعدين يمثل قفزة نوعية في التفكير الاقتصادي المصري، من مجرد استغلال للموارد إلى استثمار استراتيجي بعيد المدى. هل يمكن أن تكون هذه الصخور والمعادن هي مفتاح المستقبل الذهبي الذي يحلم به الجميع؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بأن تكشف لنا ما إذا كانت هذه الكنوز الكامنة ستتحول بالفعل إلى قاطرة حقيقية للازدهار والاستقرار لمصر وشعبها. إنها رحلة مثيرة، نتابعها جميعاً بفارغ الصبر.