هل شعرت يوماً وكأنك واقف في قلب عاصفة هادئة؟ هذا بالضبط ما يمر به سوق العملات العالمي حالياً، وبالتحديد الدولار الأمريكي. بعد أسبوع مليء بالقرارات المصيرية والتقلبات الحادة، يبدو أن العملة الخضراء قد التقطت أنفاسها، لكن هذا الهدوء لا يعدو كونه ترقباً مشوباً بالتوتر، انتظارا لخطابات كبرى قد ترسم ملامح الفترة القادمة. فما الذي يجعل الأسواق تحبس أنفاسها هكذا؟

الأمر ببساطة يدور حول “الاحتياطي الفيدرالي” الأمريكي، أو الفيدرالي زي ما بنقولها بالبلدي. هذا البنك المركزي العملاق، الذي استأنف دورة التيسير النقدي الأسبوع الماضي بخفض أسعار الفائدة، هو محط أنظار العالم بأسره. يوم الاثنين، شهدنا استقراراً ملحوظاً في سعر الدولار، ليس لأنه بلغ حالة من الرضا الذاتي، بل لأن المستثمرين والمتداولين في كل حدب وصوب يترقبون بفارغ الصبر سلسلة من الخطابات المرتقبة لمسؤولي الفيدرالي على مدار الأسبوع. يعني كده، الناس مستنية إشارة، أي كلمة توضح لهم إيه اللي هيحصل بعد كده في سياسة أسعار الفائدة الأمريكية.

موجة التقلبات العنيفة التي اجتاحت الأسواق الأسبوع الماضي، والتي كانت نتيجة لقرارات متعددة بشأن أسعار الفائدة من بنوك مركزية رئيسية حول العالم – منها طبعاً الفيدرالي، وبنك إنجلترا، وحتى بنك اليابان – قد هدأت بشكل ملحوظ خلال الجلسة الآسيوية. وكأن الجميع أخذ استراحة محارب قبل الجولة التالية.

لكن الهدوء الظاهري هذا لم يمنع بعض التحركات الفردية المثيرة للاهتمام. على سبيل المثال، الين الياباني تراجع بنسبة 0.2% مقابل الدولار، ليعود إلى مستويات 148.26 ين. هذه الخطوة تأتي بعد المكاسب المفاجئة التي حققها يوم الجمعة، والتي كانت نتيجة تحول “متشدد” في خطاب بنك اليابان، مما ألمح إلى احتمال رفع أسعار الفائدة في المدى القريب. هل يعني هذا أن عصر أسعار الفائدة السلبية في اليابان يقترب من نهايته؟ ده سؤال كبير فعلاً.

على الضفة الأخرى، الجنيه الإسترليني لم يكن حظه موفقاً، إذ انخفض إلى أدنى مستوى له في أسبوعين مسجلاً 1.3453 دولار. الضغوط المحلية كان لها الكلمة العليا هنا، فبعد ارتفاع الاقتراض العام في المملكة المتحدة، وجاء قرار بنك إنجلترا بشأن سعر الفائدة ليكشف عن معضلة حقيقية يواجهها صانعو السياسات: كيف يمكن الموازنة بين دعم النمو الاقتصادي والسيطرة على التضخم المستمر؟

جين فولي، رئيسة استراتيجية العملات الأجنبية في “رابوبانك”، عبرت عن هذا التحدي بوضوح، مشيرة إلى تأجيل توقعاتهم لأي خفض محتمل في أسعار الفائدة من بنك إنجلترا إلى عام 2026. وقالت: “مع احتساب هذا التخفيض في معظمه بالفعل، وتركيز مستثمري الجنيه الإسترليني بشكل كامل على الوضع المالي في المملكة المتحدة، فإننا لا نزال نرى أن الجنيه الإسترليني سيشهد تراجعاً في الخريف وربما بعده”. يعني بتقول لك، الجنيه لسه قدامه أيام صعبة.

في الصورة الأوسع، واصل الدولار الأمريكي انتعاشه التدريجي من انخفاضه المفاجئ الأسبوع الماضي الذي أعقب قرار الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة. ارتفع الدولار بشكل طفيف مقابل سلة من العملات الرئيسية، ليصل مؤشره إلى 97.78. أما اليورو، فقد تراجع بنسبة 0.15%، ليستقر عند 1.1731 دولار. تحركات بسيطة، لكنها تعكس حالة من الحذر العام.

التركيز الأكبر الآن ينصب على ما سيقوله مسؤولو “الاحتياطي الفيدرالي” هذا الأسبوع. أسماء مثل رئيس الفيدرالي، جيروم باول، ستكون على منصات الخطابة، والمستثمرون سيحللون كل كلمة وكل نبرة صوت. ليس فقط آرائهم حول الاقتصاد، بل أيضاً حول استقلال “الاحتياطي الفيدرالي” نفسه، خاصة بعد بعض التكهنات الإعلامية التي أثيرت مؤخراً.

يقول جوزيف كابورسو، رئيس قسم العملات الأجنبية والتحليلات الدولية والجيواقتصادية في بنك الكومنولث الأسترالي، إن هذه الخطابات ستوفر “بعض الفرص المتاحة لتحريك أسواق العملات”. ويضيف: “أعتقد أن الخطاب الذي سيلقيه ستيفن ميران سيكون الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة للأسواق، لأن الأسواق سترغب في معرفة رأيه بشأن استقلال (الاحتياطي الفيدرالي) وتأثير الرئيس عليه وما شابه”. وهذا يعيدنا إلى محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي الجديد، ميران، الذي دافع عن نفسه يوم الجمعة كصانع سياسات مستقل بعد معارضته لخفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس خلال اجتماع سبتمبر. ووعد بتقديم حجج مفصلة لآرائه في خطاب سيلقيه في وقت لاحق يوم الاثنين. يعني الموضوع مش مجرد كلام، ده ممكن يحدد اتجاهات.

بعيداً عن محور الفيدرالي، كانت هناك بعض الأخبار الإيجابية لعملات أخرى. الدولار الأسترالي ارتفع بنسبة 0.07% ليصل إلى 0.6595 دولار أمريكي، مستفيداً من تعليقات اقتصادية متفائلة من مسؤول رفيع في البنك المركزي الأسترالي. وكذلك الدولار النيوزيلندي، الذي صعد بنسبة 0.03% ليبلغ 0.5858 دولار أمريكي. أما اليوان الصيني، فقد شهد استقراراً طفيفاً ليغلق عند 7.1136 دولار أمريكي، مدعوماً بانحسار التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وقرار الصين إبقاء أسعار الفائدة المرجعية على الإقراض دون تغيير. يعني الدنيا مش كلها مشاكل، فيه حتت كويسة برضه.

في نهاية المطاف، ما شهدناه هذا الأسبوع هو مجرد مقدمة. الأيام القادمة ستحمل في طياتها ما قد يعيد رسم الخارطة الاقتصادية العالمية. هل سيستمر الدولار في مساره الصاعد؟ وهل ستجد البنوك المركزية الكبرى، مثل بنك إنجلترا، المعادلة الصعبة بين النمو والتضخم؟ هي لعبة شد الحبل، حيث كل كلمة وكل إشارة من كبار اللاعبين يمكن أن تحرك المليارات وتؤثر في اقتصادات بأكملها. بالنسبة للمستثمرين، وحتى للمواطن العادي، متابعة هذه الأحداث ليست مجرد رفاهية، بل هي محاولة لفهم القوى الخفية التي تشكل أسعار كل شيء، من البنزين لغاية القهوة اللي بنشربها الصبح. فهل نحن على أعتاب مرحلة جديدة من التقلبات، أم أن الهدوء سيسود لفترة أطول؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.