يا ترى سوق العملات الرقمية هيفضل طالع ولا نازل؟ سؤال بيسأله كل مستثمر ومهتم في عالم الكريبتو اللي عمره ما بيخلى من المفاجآت والتقلبات. الأسبوع الماضي لم يكن استثناءً، فقد أغلقت البتكوين، رائدة العملات المشفرة وسيدتها، تداولات نهاية الأسبوع على تراجع ملحوظ، لتنهي يوم الجمعة، الموافق 19 سبتمبر، بانخفاض نسبته 1.80% خلال الـ 24 ساعة السابقة، حيث لامس سعرها مستويات 115,407.4 دولار أمريكي بعد تراجعٍ جعل كثيرين يتساءلون عن وجهة هذا السوق الصعب.
هذا الانكماش المفاجئ لم يأتِ من فراغ، بل جاء بعد أن تخلت العملة الرقمية عن جزء من الزخم الإيجابي الذي حظيت به عقب قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض معدلات الفائدة. كان المستثمرون يرقبون المشهد الاقتصادي العالمي بحذر، في محاولة لفهم كيفية تأثير السياسة النقدية الأمريكية الجديدة على سوق الأصول الرقمية المتقلب، والتي غالبًا ما تتحرك في مسارات خاصة بها. ومع هذا التراجع، تقلصت القيمة السوقية الإجمالية للعملات المشفرة لتستقر عند حوالي 2.30 تريليون دولار، ما يعكس حالة من الترقب والحذر الشديدين.
قرار الفيدرالي بخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، والذي فُسّر على نطاق واسع كإشارة لبداية مسار جديد من التيسير النقدي، كان يهدف أساسًا إلى دعم النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة. ومباشرة بعد الإعلان، شهدت البتكوين ارتفاعات قوية، وكأنها تتنفس الصعداء، لكن هذا الصعود لم يدم طويلًا. سرعان ما فقدت هذه الموجة زخمها مع تزايد المخاوف بشأن قدرة العملات المشفرة على الثبات عند مستوياتها المرتفعة في ظل بيئة اقتصادية عالمية لا تزال تعاني من تقلبات كبيرة. يعني يا جماعة، مفيش حاجة مضمونة في السوق ده خالص، والتفاؤل المفرط ممكن يتبخر في لمح البصر.
على الرغم من كل هذا التراجع، تبقى البتكوين هي المهيمنة بلا منازع في عالم العملات الرقمية، مستحوذة على حصة سوقية تبلغ 57.1%، ما يؤكد مكانتها كعمود فقري لهذا النظام. تليها عملة الإيثريوم بحصة سوقية تبلغ 13.5%، ما يشير إلى أن الكبار ما زالوا يحتفظون بقوتهم النسبية في بحر من العملات الرقمية الأخرى. لكن، هل هذا كل شيء؟ طبعًا لأ. الأسباب وراء هذا التذبذب لا تقتصر على السياسات النقدية الأمريكية فقط، بل تمتد لتشمل عوامل جيوسياسية مؤثرة بشكل كبير بدأت تفرض نفسها على الساحة.
في تطور هو الأول من نوعه، أعلن الاتحاد الأوروبي عن إدراج منصات تداول العملات المشفرة ضمن حزمته العقابية الجديدة ضد روسيا، وهي الحزمة التاسعة عشرة من نوعها. الهدف واضح: سد جميع الثغرات ومنافذ الالتفاف على العقوبات المالية الغربية المفروضة على موسكو. وتفصيلًا، تشمل هذه الحزمة حظر جميع معاملات العملات الرقمية للمقيمين الروس، وتقييد التعامل مع البنوك الأجنبية المرتبطة بأنظمة الدفع البديلة الروسية، بالإضافة إلى حظر التعاملات مع الكيانات العاملة في المناطق الاقتصادية الخاصة. بصراحة، ضربة قوية ومباشرة قد تغير قواعد اللعبة بالنسبة للتعاملات المشفرة في سياقات معينة. رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أكدت في بيانها أن الاتحاد سيواصل تطوير أدواته لمواجهة محاولات التحايل، مشددة بالقول: “لأول مرة ستضرب عقوباتنا منصات العملات المشفّرة وتمنع التعاملات الرقمية المرتبطة بها.”
تأثير هذه التطورات لم يقتصر على البتكوين وحدها. العملة البديلة الأشهر، الإيثريوم، شهدت تراجعًا بنسبة 4.09% خلال الأيام السبعة الأخيرة، لتتأثر هي الأخرى بموجة الهبوط العامة. وكذلك تراجعت عملة سولانا بأكثر من 4% لتصل إلى 238.31 دولارًا، مما يؤكد أن التقلبات باتت سمة شاملة للسوق. وحتى البتكوين نفسها، عند الإغلاق، تكون قد هبطت بنسبة 0.72% على مدار الأسبوع الماضي ككل، ما يوضح أن الاتجاه العام كان نحو التراجع، وإن كان بوتيرة مختلفة لكل عملة.
ما نشهده هنا هو تضافر عوامل متعددة تشكل مستقبل هذا السوق الواعد. فبين السياسات النقدية للدول الكبرى، والمتمثلة في قرارات الفيدرالي الأمريكي، والإجراءات الجيوسياسية ذات الثقل، كعقوبات الاتحاد الأوروبي، تتأرجح أسعار العملات الرقمية. هل يمكننا القول إن سوق الكريبتو بدأ ينضج ويتأثر بشكل أكبر بالاقتصاد الكلي والسياسات العالمية؟ يبدو الأمر كذلك، وكأنه لم يعد جزيرة منعزلة عن بقية العالم تحركها حسابات خوارزمية بحتة أو شائعات منصات التواصل الاجتماعي فحسب. يعني هل زمن “الكريبتو بيتحرك لوحده” ده خلص؟
هذا الواقع الجديد يدفعنا للتفكير بعمق حول استراتيجيات الاستثمار في هذا المجال. لم يعد كافيًا متابعة الشارتات فقط، بل أصبح من الضروري فهم ديناميكيات الاقتصاد العالمي وتداعيات القرارات السياسية الكبرى. فالمستثمر الواعي هو من يدرك أن العملات المشفرة، التي بدأت كبديل لامركزي للأنظمة التقليدية، تجد نفسها اليوم جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاقتصادي والسياسي العالمي. ومن يدري، ربما هذا هو السبيل الوحيد لها لتشق طريقها نحو القبول الواسع والاستقرار الذي يصبو إليه الكثيرون. المستقبل سيخبرنا، ولكن المؤكد أن الملل لا مكان له هنا.