نداء الأرض: هل نستجيب قبل فوات الأوان؟
تخيل لو أن كوكب الأرض يصرخ بصوت خافت، لكننا لا نلتفت إلا حين يصبح الصراخ مدوياً. تغير المناخ لم يعد وشوشة في الأفق البعيد، بل أصبح واقعاً ملموساً يهز أركان حياتنا اليومية. من جفاف قاسٍ يحصد الأخضر واليابس، إلى فيضانات عاتية تغرق المدن وتجرف الأحلام، تداعياته تتسلل إلى كل زاوية من زوايا عالمنا، مهددة استقرارنا الاقتصادي والاجتماعي والصحي. فهل نحن مستعدون لمواجهة هذا القدر، أم أننا سنستمر في تأجيل البحث عن الحلول؟
في خضم هذه التحديات الجسيمة، تبرز قمة عالمية كمنارة أمل ومحرك للتغيير، محاولة الإجابة عن هذا السؤال الوجودي. ففي الأول والثاني من أكتوبر عام 2025، ستتجه أنظار العالم بأسره نحو دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تستضيف الدورة الحادية عشرة للقمة العالمية للاقتصاد الأخضر. هذه الفعالية السنوية المرموقة، التي تُقام تحت الرعاية الكريمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، لا تقتصر على كونها تجمعاً للنخب، بل هي نبض استراتيجي يهدف إلى صياغة مستقبل أكثر استدامة وحيوية. ينظمها بتعاون وثيق كل من المجلس الأعلى للطاقة في دبي، وهيئة كهرباء ومياه دبي، والمنظمة العالمية للاقتصاد الأخضر، مما يجسد التزام الإمارات الراسخ بدفع عجلة التنمية الخضراء على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
بصراحة كده، المشكلة ما بقتش مجرد كلام في الجرائد أو توقعات مستقبلية بعيدة. إحنا شايفين بعينينا كيف أن التغيرات المناخية، مثل موجات الجفاف الشديد والفيضانات المتكررة، بتأثر بشكل مباشر على استقرارنا الاقتصادي والاجتماعي وحتى صحتنا. يعني الموضوع مابقاش رفاهية، ده بقى ضرورة ملحة. ومن هنا، تأتي أهمية هذه الملتقيات. فمنذ انطلاقها في عام 2014، رسخت القمة العالمية للاقتصاد الأخضر مكانتها كمنصة محورية لدفع التعاون الدولي، ليس فقط لمواجهة التحديات، بل لتوظيفها كفرص سانحة للاستثمار في مستقبل مستدام.
لم تكن هذه القمة مجرد لقاءات شكلية لتبادل الآراء، بل شكلت على الدوام نقطة التقاء للجهود العالمية الرامية إلى تسريع العمل المشترك في قضايا حيوية. هي لم تكتفِ بتشخيص المشكلة، بل دعت صراحة إلى تبني آليات مبتكرة لمواجهة هذه المعضلات. فكر في الأمر: كيف يمكننا خفض الانبعاثات الكربونية الضارة التي تخنق غلافنا الجوي؟ الإجابة تكمن في سياسات التحول الطاقي الجريئة وتشجيع مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة. وكيف يمكننا حماية أنفسنا ومجتمعاتنا من تداعيات المناخ القاسية؟ عبر تطوير برامج تعزز المرونة وتقلل من الخسائر والأضرار المحتملة. بالإضافة إلى ذلك، ركزت القمة على أهمية رفع كفاءة استخدام مواردنا الطبيعية الثمينة وتبني ممارسات إنتاج واستهلاك تتسم بالاستدامة. يعني باختصار، بنحاول نغير طريقة حياتنا بالكامل عشان نحافظ على الكوكب ونضمن مستقبلاً أفضل للجميع.
الدورة الحادية عشرة تحمل شعاراً قوياً ومعبراً: “الابتكار المؤثر: تسريع مستقبل الاقتصاد الأخضر”. هذا الشعار وحده كفيل بأن يخبرك بمدى الجدية في الطرح. فالتركيز الأساسي سيكون على تعزيز الاستثمارات الخضراء كرافعة للتنمية، وتفعيل دور التكنولوجيا والابتكار كركيزة أساسية لهذه القفزة النوعية، ودعم مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة التي تمثل شريان الحياة لمستقبل خالٍ من الكربون. ولا يقتصر الأمر على التقنيات فحسب، بل يمتد ليشمل ضمان حلول مناخية عادلة وشاملة للجميع، وتعزيز المرونة المجتمعية والبيئية في مواجهة التغيرات، والأهم من ذلك، تمكين الأجيال القادمة لتكون هي القائدة لهذه المبادرات المستدامة. القمة بذلك تتيح منصة حيوية للحوار، يشارك فيها خبراء ومتخصصون من شتى القطاعات والدول، لتبادل أفضل الممارسات والخبرات، والخروج بحلول مبتكرة تدعم تسريع وتيرة التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون، وبناء مستقبل أكثر قوة واستدامة للأجيال القادمة.
في هذا السياق، لا يمكننا إغفال الدور المحوري لدولة الإمارات العربية المتحدة نفسها. فهي لم تكتفِ بالاستضافة أو التنظيم، بل رسخت نموذجاً واعداً للاقتصاد الأخضر على أرض الواقع. الإمارات، بصراحة، سباقة في التفكير الاستراتيجي. تخيل بلد بيخطط للمستقبل مش بس لسنة أو سنتين، لأ، ده بيستشرف الفرص والتحديات اللي جاية وبيحللها كويس جداً في كل المجالات. في عام 2012، أطلقت استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء تحت شعار “اقتصاد أخضر لتنمية مستدامة”، بهدف أن تصبح رائدة عالمياً ومركزاً لتصدير وإعادة تصدير المنتجات والتقنيات الخضراء. ولم تتوقف عند هذا الحد؛ ففي عام 2015، أطلقت الأجندة الوطنية الخضراء – 2030، التي تعتبر استراتيجية متكاملة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتعزيز الاقتصاد الأخضر عبر محاور استراتيجية تشمل الاقتصاد المعرفي التنافسي، والبيئة المستدامة وقيمة الموارد الطبيعية، والطاقة النظيفة والتكيف مع التغير المناخي، والتطوير الاجتماعي، والاستخدام المستدام للموارد.
المدهش أن الإمارات ترجمت هذه الرؤى الطموحة إلى مبادرات ملموسة تُحدث فرقاً حقيقياً. فمن منا لم يسمع عن مبادرة “إيكومارك”؟ هي أول إطار اعتماد عالمي للاستدامة خصيصاً للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بتساعدهم يبقوا أقوى في المنافسة في قطاعات الاقتصاد الأخضر. وده غير برنامج “العلامة البيئية للمصانع الخضراء” اللي أطلقته هيئة البيئة – أبوظبي، واللي بيشجع المنشآت الصناعية إنها تتبنى حلول مبتكرة لتقليل الملوثات وتطبيق أحسن الممارسات البيئية. ولا ننسى اعتماد معايير البناء الأخضر والمستدام في جميع أنحاء الدولة، والتي تسهم في بناء مدن صديقة للبيئة وتقلل من البصمة الكربونية. هذه الجهود تتكامل مع المبادرات المكثفة في مجالي الطاقة والنقل المستدامين، وكلها تصب في هدف واحد: خفض الانبعاثات الكربونية والتكيف الفعال مع تغير المناخ.
باستضافتها المتواصلة لهذه القمة العالمية الرائدة، تؤكد دولة الإمارات دورها الريادي كلاعب أساسي وفعال في دعم الاستدامة والتطور البيئي العالمي. هي ليست مجرد مضيف، بل هي راعي ومحفز للعمل المناخي. هذه القمة توفر منصة لا غنى عنها للتعاون الدولي وتبادل الخبرات، وتعزز الابتكار الذي نحتاجه بشدة في الاقتصاد الأخضر، ما يترجم التزامها الجاد بخفض الانبعاثات وتحقيق التنمية المستدامة، ويسعى لتعزيز الشراكات الاستراتيجية البيئية الفاعلة.
فهل نفهم حقاً أن مستقبل كوكبنا لا يقع على عاتق الحكومات والشركات العملاقة وحدها؟ هل ندرك أن كل خطوة صغيرة نخطوها نحو الاستدامة، في بيوتنا أو أعمالنا، هي جزء لا يتجزأ من هذا الجهد العالمي الكبير؟ الإمارات تؤكد مكانتها كمحرك حقيقي للتحول نحو مستقبل بيئي مزدهر وآمن. يبقى السؤال الأهم: متى سنشارك جميعاً في هذا التحول، لنصنع معاً غداً أفضل لأجيالنا القادمة؟ الموضوع فعلاً يستاهل وقفة وتفكير عميق.