هل تخيلت يوماً أن يستيقظ شعب بأكمله ليجد حياته الاقتصادية تتهاوى قطعة تلو الأخرى، وأن شريان الحياة الذي يربط بين مصادر رزقه وتطلعاته المستقبلية يضيق حتى يكاد يختنق؟ هذا ليس مشهدًا من رواية خيال علمي، بل هو الواقع القاسي الذي يرسمه تقرير حديث وصادم صادر عن البنك الدولي حول الاقتصاد الفلسطيني. التقرير، الذي صدر مؤخراً، لا يكتفي بوصف الوضع بأنه “صعب”، بل يحذّر من تدهور متسارع ومخاطر انهيار مالي شامل “وشيك”. الموضوع يا جماعة، أخطر بكتير مما نتخيل.

يتحدث التقرير بلغة الأرقام والحقائق، لكن خلف كل رقم هناك قصة إنسان ومعاناة عائلة. الاقتصاد الفلسطيني، في الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء، يواجه تحديات غير مسبوقة تهدد استقراره وسبل عيش ملايين البشر. يقول التقرير بوضوح إن خطر الانهيار المالي الكلي بات على الأبواب، وهذا ليس تحذيراً عابراً بل نذير شؤم ينبغي أن يهزّ الضمير العالمي.

منظومة مالية على حافة الهاوية

لنبدأ بالشق المالي، الذي هو بمثابة القلب النابض لأي اقتصاد. يواجه النظام المصرفي الفلسطيني انحداراً متسارعاً. لماذا؟ لأن العملة المتداولة، “الشيقل الإسرائيلي”، تستنزف بشكل خطير، والأدهى من ذلك هو خطر قطع الاتصالات المصرفية مع إسرائيل، وهو ما سيشل الحركة المالية تماماً. صحيح أن هناك ارتفاعاً طفيفاً في الودائع وتحسناً محدوداً في الأرباح خلال النصف الأول من عام 2025، لكن التقرير يرى أن هذه المؤشرات مجرد وهم أو “مسكنات”، ولا تعكس الصورة الحقيقية. الضغوط الأساسية عميقة ومهددة للاستقرار المالي، ومحاولات إيجاد حلول بديلة أو قنوات للسيولة، بصراحة كده، ما جابتش نتيجة تذكر. يعني بالبلدي، كأنك بتحاول تسد خرم في سد ضخم بقطعة قماش صغيرة.

غزة: دمار شامل وسباق مع المجاعة

إذا كانت الضفة الغربية تعاني، فإن قطاع غزة يعيش واقعاً مختلفاً تماماً، فهو أشبه بـ”دمار شامل”. النشاط الاقتصادي الخاص توقف بالكامل تقريباً، وكأن عجلة الحياة هناك توقفت عن الدوران.

التمويل الرقمي: بصيص أمل وسط الظلام؟
في ظل هذا الشلل، أصبح التمويل الرقمي حبل النجاة الوحيد للحصول على الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية. النقود شحيحة، والخدمات المصرفية معطلة. قيمة استخدام المحافظ الإلكترونية تضاعفت ثلاث مرات في النصف الأول من 2025، وهناك أكثر من 790 ألف محفظة نشطة. شيء أشبه بالمعجزة، أليس كذلك؟ لكن التقرير يشير إلى تباطؤ في نمو هذه الحسابات في مايو ويونيو 2025. السبب؟ محدودية السلع المتوفرة وتكثيف إجراءات التحقق من هوية العملاء. حتى الابتكار ده بيواجه تحديات.

البنية التحتية: صمت مطبق وظلام دامس
تخيل أن تعيش في مكان نظام الطاقة فيه متوقف تماماً، وشوارعه غارقة في الظلام. هذا هو حال غزة. إعادة إعمار نظام الطاقة وحده تتطلب ما يقدر بـ 1.46 مليار دولار. الناس هناك لجأت لحلول طاقة بدائية، مما أدى إلى تراجع أي تقدم نحو مصادر طاقة مستدامة. أما الاتصالات، فـ 85 في المائة من بنيتها التحتية دمرت. كيف يمكن لقطاع أن يعمل أو يتواصل مع العالم وهو معزول بهذا الشكل؟ سؤال يطرح نفسه بقوة.

الزراعة والغذاء: شبح المجاعة يخيم
هنا تكمن الكارثة الإنسانية الكبرى. قطاع الأغذية والزراعة في غزة تعرض لدمار شبه كامل، وأقل من 1.5 في المائة من الأراضي صالحة للزراعة. هذا أدى إلى “اختفاء” التنوع الغذائي، والناس تعتمد على الأغذية الأساسية منخفضة القيمة الغذائية. التقرير يؤكد أن مؤشرات استهلاك الغذاء والتغذية هي الأسوأ منذ بداية الصراع، وأن أكثر من نصف مليون شخص يواجهون المجاعة. هل يمكن تصور أن يحدث ذلك في القرن الحادي والعشرين؟

الصحة والتعليم: جرح ينزف لمستقبل مجهول
مستويات سوء التغذية ووفيات الأطفال في غزة ليست مجرد أرقام، بل هي “كارثة اقتصادية بعيدة المدى” ستفرض قيوداً على أي تعافٍ اقتصادي مستقبلي. نحو 50 في المائة من المستشفيات و60 في المائة من عيادات الرعاية الأولية معطلة. في قطاع التعليم، كل المنشآت التعليمية تعرضت لأضرار أو دمرت بالكامل. يعني جيل كامل بيتربى على الدمار، فكيف سيبني المستقبل؟

الضفة الغربية: ضغوط تتصاعد بهدوء حذر

الوضع في الضفة الغربية، وإن لم يكن بنفس حجم كارثة غزة، إلا أنه يواجه ضغوطاً متزايدة. صحيح أن بعض الشركات أظهرت مرونة وتكيفت مع الأوضاع الصعبة، لكن التحديات تتراكم.

بيئة الأعمال: تقلص وفرص ضئيلة
معظم الشركات شهدت انخفاضاً في المبيعات، ورغم أن نسبة لا بأس بها حافظت على علاقاتها مع الشركاء الدوليين، إلا أن التوظيف يكشف عن تباينات صارخة: الشركات القوية تتوسع، والضعيفة تتراجع. الحصول على التمويل أصبح شبه مستحيل، وعدد طلبات القروض انخفض بشكل حاد.

الأمن الغذائي والزراعة: تقييد وتوترات
القيود المفروضة على الإنتاج الزراعي في الضفة الغربية أدت إلى الحد من التنوع الغذائي وزيادة انعدام الأمن الغذائي. والتوترات المتصاعدة وقيود الوصول عطلت سبل العيش الزراعية بشكل كبير. يعني حتى لقمة العيش بقت صعبة.

الصحة والتعليم: تحت الضغط
نظام تقديم الخدمات الصحية يعاني من ضغوط متزايدة بسبب التوترات والقيود المالية، وقطاع التعليم شهد أيضاً اضطرابات حادة.

حلول على الورق… وواقع مرير

يختتم تقرير البنك الدولي بتقييم شامل، مؤكداً أن إنهاء الأعمال العدائية، ومعالجة التحديات المالية، وإعادة إحياء النمو، كلها عناصر حيوية لمعالجة الأزمة. ويوصي بالآتي:

  • الاستقرار المالي: ضرورة الحفاظ عليه عبر لوائح قوية ورقابة مشددة.
  • الدعم الدولي: حشد الدعم لتعبئة المساعدات وتوفير السيولة.
  • الإصلاحات الهيكلية: تنفيذ إصلاحات شاملة في الإدارة المالية ومكافحة الفساد.

لكن هل هذه الحلول كافية أمام حجم الكارثة؟ الأرقام تتحدث عن نفسها: الفقر في الأراضي الفلسطينية ارتفع من 29 في المائة عام 2023 إلى ما يقرب من 40 في المائة بحلول أوائل عام 2025. والأزمة أدت إلى زيادة انكشاف القطاع المالي على القروض للموظفين الحكوميين، مما يزيد من المخاطر المالية في ظل الضائقة المالية للسلطة الفلسطينية.

في النهاية، الأرقام والإحصائيات دي مش مجرد أرقام… دي حياة ناس. إنها قصص أسر تحاول البقاء على قيد الحياة، أطفال يحرمون من التعليم والغذاء، وشباب يفقدون الأمل في المستقبل. ما يحدث في فلسطين ليس مجرد أزمة اقتصادية، بل هو صرخة إنسانية تدعو العالم أجمع للتدخل. فهل من مستمع؟ وهل من مغيث؟ أم أننا سنكتفي بمشاهدة الانهيار وشيكاً، ثم نبكي على ما فات؟ هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة عاجلة وملموسة من كل ضمير حي.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.