في عالم الاقتصاد الذي لا يهدأ، تتشابك القرارات الكبرى في غرف اجتماعات البنوك المركزية مع همسات الأسواق وتوقعات المستثمرين، ليصنع كل يوم قصة جديدة. وبينما كان شهر أكتوبر يطلّ برأسه، وتحديداً في الأول من هذا الشهر، كانت الأضواء كلها مسلّطة على عملة “الكنغر” الأسترالي في مواجهة “العم سام” الأمريكي، في سيناريو يحمل في طياته الكثير من الترقب والأسرار.

فقد شهد سعر صرف الدولار الأسترالي مقابل نظيره الأمريكي (AUD/USD) ارتفاعاً ملحوظاً، ليلامس عتبة الـ 0.6615، وهو أعلى مستوى له خلال أسبوع كامل. هذا الصعود لم يأتِ من فراغ، بل كان نتاجاً مباشراً لاختتام اجتماع بنك الاحتياطي الأسترالي (RBA) الذي استمر يومين، والذي جاءت نتائجه متوافقة تماماً مع ما توقعه المحللون الكبار. يعني ببساطة، الأسواق كانت مستعدة للخبر، والخبر نفسه أراحها.

البنك الأسترالي: حذرٌ ورؤية للمستقبل

لم تكن القصة مجرد ارتفاع عابر، بل كانت تتويجاً لقرارٍ استراتيجي اتخذه البنك المركزي الأسترالي بالإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير. هذا القرار، وإن بدا هادئاً، إلا أنه حمل في طياته رسائل واضحة: البنك لا يزال حذراً بشكل كبير تجاه سياسته النقدية المستقبلية، وقد أكد مسؤولوه أنهم سيعتمدون على البيانات الاقتصادية بشكل أساسي قبل تحديد أي موعد لخفض محتمل لأسعار الفائدة. هل تتوقع أن يخاطروا وهم يرون ضبابية في الأفق؟ طبعاً لأ.

ليس هذا فحسب، بل حذر البنك أيضاً من أن أرقام التضخم للربع الثالث من العام الجاري قد تأتي أعلى من التوقعات، وهذا إن دل على شيء، فهو يدل على استمرار الضغوط التضخمية التي تواجه الاقتصاد الأسترالي. وأضافوا إلى ذلك، أن سوق العمل الأسترالي يتوقع أن يبقى “ضيقاً” لبعض الوقت، وهي إشارة قوية إلى قوة سوق الوظائف رغم التحديات الاقتصادية.

كل هذه المعطيات دفعت المحللين للتكهن بأنه لا يوجد أي خفض متوقع لأسعار الفائدة في الاجتماع المقبل للبنك الأسترالي في نوفمبر 2025. بل إن الأمل في رؤية خفض قادم بات معلقاً على عام 2026، وهذا يخلق تبايناً واضحاً مع سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي ألمح إلى استمراره في مسار خفض الفائدة. يعني بالبلدي كده، كل بنك ماشي بدماغه، وده بيخلي الحكاية حامية في أسواق العملات.

العين على بيانات “العم سام”

بينما يستقر الغبار في أستراليا، تتجه الأنظار كلها نحو الشاطئ الآخر من المحيط الهادئ، وتحديداً إلى بيانات الوظائف الأمريكية المرتقبة. يتوقع الخبراء الاقتصاديون أن يظهر تقرير ADP، الذي يرصد التغير في التوظيف بالقطاع الخاص، إضافة 50 ألف وظيفة جديدة في سبتمبر، وهذا الرقم يعد أقل بقليل من الـ 54 ألف وظيفة التي أضيفت في الشهر السابق.

وإذا ما صحت هذه التوقعات، فهذا يعني أن سوق العمل الأمريكي يواصل إظهار علامات “الضعف” مع استمرار الشركات في التكيف مع الوضع الاقتصادي الجديد، خاصة في ظل التعريفات المرتفعة. لماذا هذه الأرقام مهمة لهذه الدرجة؟ ببساطة، لأنها كانت السبب الرئيسي وراء قرار جيروم باول وفريقه في الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة في اجتماعهم الأخير. يعني دي حتة أساسية في القرارات اللي بنشوفها.

ولم تتوقف البيانات الأمريكية المهمة عند هذا الحد. فتقارير مؤشر مديري المشتريات (PMI) في قطاع التصنيع، الصادرة عن معهد إدارة التوريد (ISM) وستاندرد آند بورز (S&P Global)، ستكون لها كلمة الفصل أيضاً. يتوقع الاقتصاديون ارتفاع مؤشر ISM التصنيعي إلى 49 في سبتمبر، مقارنة بـ 48.7 في أغسطس، ورغم أنه لا يزال يشير إلى انكماش القطاع، إلا أنه تحسن طفيف. في المقابل، يتوقع تقرير مماثل صادر عن ستاندرد آند بورز تراجع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي إلى 52 من 53 سابقاً. يعني حتة طالعة وحتة نازلة، والمستثمر هو اللي لازم يحلل اللغز ده.

الرسوم البيانية تروي القصة

بعيداً عن الأرقام والقرارات، للتحليل الفني كلمته التي لا تقل أهمية. فوفقاً للرسوم البيانية على مدى 12 ساعة، ارتد سعر صرف الدولار الأسترالي/الدولار الأمريكي بقوة من أدنى مستوى له عند 0.6520 الذي سجله في 26 سبتمبر، ليصعد إلى مستوياته الحالية عند 0.6615. فنياً، قفز الزوج أعلى خط المتوسط المتحرك لـ 50 فترة، بالإضافة إلى تجاوز نقطة الارتكاز الرئيسية لخطوط موري الرياضية، وهي كلها إشارات إيجابية للمتداولين.

ولم تكن هذه هي كل القصة؛ فالزوج شكّل “نمطاً تصاعدياً ضخماً”، وهو نمط غالباً ما ينبئ بارتداد قوي واستمرار للصعود. كما تجاوز مؤشر القوة النسبية (RSI) المستوى المحايد عند 50، وهي إشارة أخرى على قوة الدفع الشرائية. كل هذا يشير إلى أن الزوج من المرجح أن يواصل ارتفاعه، مع استهداف المستويات المقاومة عند 0.6710. يعني اللي متابع الشرطات، شايف الصورة كاملة.

ماذا يعني كل هذا لنا؟

في خضم هذه التطورات، يظل المستثمرون يراقبون المشهد بتأنٍ، فقرارات البنوك المركزية الأمريكية والأسترالية تتباين، والبيانات الاقتصادية الأمريكية تحمل في طياتها ملامح تباطؤ، بينما تظهر الأسواق الفنية مؤشرات صعود لزوج العملات. أما ملف الإغلاق الحكومي، فيرجح أن يكون تأثيره هامشياً ومؤقتاً على أزواج العملات، لأن الأسواق تتوقع حلّه عاجلاً أم آجلاً.

بصراحة، الحكاية كلها أشبه بلعبة شطرنج عالمية، كل حركة فيها ليها حساب. فهل سيستمر الدولار الأسترالي في إظهار قوته أمام الدولار الأمريكي مدعوماً بقرارات بنكه المركزي وتوقعاته المتفائلة نسبياً، أم أن البيانات الأمريكية القادمة قد تغير مسار اللعبة؟ يبقى السوق هو الحكم الأخير، والتأرجحات الاقتصادية لا تتوقف أبداً عن إمتاع المراقبين وتحدي المحللين.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.